لتعرف العلماء حين تجالسهم أنك على أن تسمع أحرص منك على أن تقول.
إن آثرت أن تفاخر أحدا ممن تستأنس إليه في لهو الحديث، فاجعل غاية ذلك الجد ولا تعدون أن تتكلم فيه بما كان هزلا، فإذا بلغ الجد أو قاربه فدعه ولا تخلطن بالجد هزلا، ولا بالهزل جدا؛ فإنك إن خلطت بالجد هزلا هجنته، وإن خلطت بالهزل جدا كدرته، غير أني قد علمت موطنا واحدا إن قدرت أن تستقبل فيه الجد بالهزل أصبت الرأي، وظهرت على الأقران، وذلك أن يتوردك متورد بالسفه والغضب، فتجيبه إجابة الهازل المداعب، برحب من الذرع، وطلاقة من الوجه، وثبات من المنطق.
إن رأيت صاحبك مع عدوك فلا يغضبنك ذلك؛ فإنما هو أحد رجلين إن كان رجلا من إخوان الثقة فأنفع مواطنه لك أقربها من عدوك؛ لشر يكفه عنك، وعورة يسترها منك، وغائبة يطلع عليها لك، فأما صديقك فما أغناك أن يحضره ذو ثقتك، وإن كان رجلا من غير خاصة إخوانك، فبأي حق تقطعه عن الناس وتكلفه ألا يصاحب ولا يجالس إلا من تهوى؟!
تحفظ في مجلسك وكلامك من التطاول على الأصحاب، وطب نفسا عن كثير مما يعرض لك فيه صواب القول والرأي مدارة؛ لئلا يظن أصحابك أن ما بك التطاول عليهم.
إذا أقبل إليك مقبل بوده فسرك ألا يدبر عنك، فلا تنعم الإقبال عليه والتفتح له؛ فإن الإنسان طبع على ضرائب لؤم، فمن شأنه أن يرحل عمن لصق به، ويلصق بمن رحل عنه.
لا تكثرن ادعاء العلم في كل ما يعرض؛ فإنك من ذلك بين فضيحتين:
إما أن ينازعوك فيما ادعيت فيهجم منك على الجهالة والضلف.
وإما ألا ينازعوك، ويخلوا الأمور في يديك فينكشف منك التصنع والمعجزة.
استحي الحياء كله من أن تخبر صاحبك أنك عالم، وأنه جاهل مصرحا أو معرضا، وإن استطلت على الأكفاء، فلا تثقن منهم بالصفاء.
إن آنست من نفسك فضلا فتحرج أن تذكره أو تبديه، فاعلم أن ظهوره منك بذلك الوجه يقرر لك في قلوب الناس من العيب أكثر مما يقرر لك من الفضل ، واعلم أنك إن صبرت ولم تعجل، ظهر ذلك منك بالوجه الجميل المعروف، ولا يخفين عليك أن حرص الرجل على إظهار ما عنده وقلة وقاره في ذلك باب من البخل واللؤم، وأن من خير الأعوان على ذلك السخاء والتكرم.
Halaman tidak diketahui