ما به ما به وما بي ما بي
إن شكوت العصر وأحكامه، وذممت صروفه وأيامه شكوت من لا يشكى أبدا، وذممت من لا يرضي أحدا، شيمته اصطفاء اللئام، والتحامل على الكرام، وهمته رفع الخامل الوضيع، ووضع الفاضل الرفيع، إذا سمح بالحياء، فأبشر بوشك الاقتضاء، وإذا أعار، فأحسبه قد أغار، فما بين أن يقبل عليك مستبشرا، ويولي عنك متجهما مستشرا إلا كلمح البصر واستطارة الشرر، لم يخترق ذكر الوفاء مسامعه، ولم يمسس ماء الحياء مدامعه، ظاهره يسر ويؤنس، وباطنه يسوء ويؤيس، يخيب ظن راجيه، ويكذب أمل عافيه، لا يسمع الشكوى، ويشمت بالبلوى، قد ذممت سيئا، ووقعت فيه أنا كالغريق يطلب معلقا، والأسير يندب مطلقا، واستحسن قول علي بن العباس بن جريج الرومي:
ألا ليس شيبك بالمنتزع
فهل أنت عن غيه مرتدع؟
وهل أنت تارك شكوى الزما
ن إذا شئت تشكو إلى مستمع؟
فشيب أخي الشيب أمنية
إذا ما تناهر إليها هلع
كنت في حال الحداثة أقرب الناس إلي وأعزهم علي، وأقربهم عندي وأجلهم في نفسي مرتبة، من قال لي نسأ الله في أجلك، جعل الله لك أمد الأعمار وأطولها، فلما بلغت عشر الثمانين جاء الجزع والهلع، فمم أرتاع وألتاع وأخلد إلى الأطماع؛ وهو الذي كنت أتمنى، ويتمنى لي أهلي؟ أمن صدوف الغواني عني، فأنا - والله - عنهن أصدف وبهن وأدوائهن أعرف؛ إذ لست ممن ينشد تحسرا عليهن:
للسود في السود آثار تركن بها
Halaman tidak diketahui