Risalah-risalah Ikhwān aṣ-Ṣafā’ dan Sahabat-sahabat Kesetiaan
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
Genre-genre
اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن الإنسان لما كان هو جملة مجموعة من جسد جسماني ونفس روحانية، وهما جوهران متباينان في الصفات، متضادان في الأحوال ومشتركان في الأفعال العارضة والصفات الزائلة؛ صار الإنسان من أجل جسده الجسماني مريدا للبقاء في الدنيا، متمنيا للخلود فيها، ومن أجل نفسه الروحانية صار طالبا للدار الآخرة، متمنيا للبلوغ إليها.
وهكذا أكثر أمور الإنسان وتصرف أحواله مثنوية، متضادة كالحياة والممات والنوم واليقظة والعلم والجهالة والتذكر والغفلة والعقل والحماقة والمرض والصحة والفجور والعفة والبخل والسخاء والجبن والشجاعة والألم واللذة، وهو متردد بين الصداقة والعداوة والفقر والغنى والشبيبة والهرم والخوف والرجاء والصدق والكذب والحق والباطل والصواب والخطأ والخير والشر والقبح والحسن وما شاكلها من الأخلاق والأفعال والأقاويل المتضادة المتباينة التي تظهر من الإنسان الذي هو جملة مجموعة من جسد جسماني ونفس روحانية.
واعلم يا أخي بأن هذه الخصال التي عددنا لا تنسب إلى الجسد بمجرده ولا إلى النفس بمجردها، ولكن إلى الإنسان الذي هو جملتهما والمجموع منهما الذي هو حي ناطق مائت، فحياته ونطقه من قبل نفسه وموته من قبل جسده، وهكذا نومه من قبل جسده ويقظته من قبل نفسه، وعلى هذا القياس سائر أموره وأحواله المتباينات المتضادات؛ بعضها من قبل النفس، وبعضها من قبل الجسد، مثال ذلك عقله وعلمه وحلمه وتفكره وسخاؤه وشجاعته وعفته وعدله وحكمته وصدقه وصوابه وخيره وما شاكلها من الخصال المحمودة، فكلها من قبل نفسه وصفاء جوهرها وأضدادها من قبل أخلاط جسده ومزاج أخلاطه.
(2) فصل في الصفات المختصة بالجسد والنفس
واعلم يا أخي بأن الصفات المختصة بالجسد بمجرده هي أن الجسد جوهر جسماني طبيعي ذو طعم ولون ورائحة وثقل وخفة وسكون ولين وخشونة وصلابة ورخاوة، وهو متكون من الأخلاط الأربعة التي هي الدم والبلغم والمرتان المتولدة من الغذاء الكائن من الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض ذوات الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وهو منفسد؛ أعني الجسد ومتغير ومستحيل وراجع إلى هذه الأركان الأربعة بعد الموت الذي هو مفارقة النفس الجسد وتركها استعماله.
وأما الصفات المختصة بالنفس بمجردها فهي أنها جوهرة روحانية سماوية نورانية حية بذاتها علامة بالقوة، فعالة بالطبع، قابلة للتعاليم، فعالة في الأجسام، ومستعملة لها، ومتممة للأجسام الحيوانية والنباتية إلى وقت معلوم، ثم إنها تاركة لهذه الأجسام ومفارقة لها وراجعة إلى عنصرها ومعدنها ومبدئها كما كانت، إما بربح وغبطة أو ندامة وحزن وخسران، كما ذكر الله - عز وجل - بقوله: @QUR010 كما بدأكم تعودون * فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة، وقال - عز وجل: @QUR010 كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين، وقال تعالى: @QUR08 أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فكفى بهذا يا أخي زجرا ووعيدا وتهديدا وتوبيخا ومذكرا ونذيرا، إن كنت منتبها من نوم الغفلة ومستيقظا من رقدة الجهالة.
وأعيذك أيها الأخ البار الرحيم أن تكون من الذين ذمهم رب العالمين بقوله: @QUR023 لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون، أفترى ذمهم من أجل أنهم لم يكونوا يعقلون أمر معيشة الدنيا؟ إنما ذمهم لأنهم لم يكونوا يتفكرون في أمر الآخرة والمعاد ولا يفقهون ما يقال لهم من معاني أمر الآخرة وطريق المعاد، فقال: @QUR010 يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، وقال - عز وجل: @QUR08 فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون.
(3) فصل في مثنوية قنية الإنسان ومثنوية الأعمال
ولما تبين أن أكثر أمور الإنسان وتصرف أحواله مثنوية متضادة من أجل أنه جملة مجموعة من جوهرين متباينين؛ جسد جسماني ونفس روحانية، كما بينا قبل ، صارت قنيته أيضا نوعين؛ جسمانية كالمال ومتاع الدنيا وروحانية كالعلم والدين، وذلك أن العلم قنية للنفس كما أن المال قنية للجسد، وكما أن الإنسان يتمكن بالمال من تناول اللذات من الأكل والشرب في الحياة الدنيا، فهكذا بالعلم ينال الإنسان طريق الآخرة، وبالدين يصل إليها، وبالعلم تضيء النفس وتشرق وتصح، كما أن بالأكل والشرب ينمى الجسد ويزيد ويربو ويسمن.
فلما كان هكذا صارت المجالس أيضا اثنين؛ مجلس للأكل والشرب واللهو واللعب واللذات الجسمانية من لحوم الحيوان ونبات الأرض لصلاح هذا الجسد المستحيل الفاسد الفاني، ومجلس للعلم والحكمة وسماع روحاني من لذة النفوس التي لا تبيد جواهرها، ولا ينقطع سرورها في الدار الآخرة، كما ذكر الله - جل ثناؤه - بقوله: @QUR09 وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون، فلما كانت المجالس اثنين صار أيضا السائلون اثنين، واحد يسأل حاجة من عرض الدنيا، لصلاح هذا الجسد ولجر المنفعة إليه، أو لدفع المضرة عنه، وواحد يسأل مسألة من العلم لصلاح أمر النفس وخلاصها من ظلمات الجهالة أو للتفقه في الدين؛ طلبا لطريق الآخرة واجتهادا في الوصول إليها، وفرارا من نار جهنم ونجاة من عالم الكون والفساد وفوزا بالوصول إلى عالم الأفلاك وسعة السماوات والسيحان في درجات الجنان والتنفس من ذلك الروح والريحان المذكور في القرآن.
Halaman tidak diketahui