Risalah-risalah Ikhwān aṣ-Ṣafā’ dan Sahabat-sahabat Kesetiaan

Ikhwan Safa d. 375 AH
68

Risalah-risalah Ikhwān aṣ-Ṣafā’ dan Sahabat-sahabat Kesetiaan

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Genre-genre

وقال آخر: السمع أدق تمييزا من البصر؛ إذ كان يعرف بجودة الذوق الكلام الموزون والنغمات المتناسبة والفرق بين الصحيح والمنزحف والخروج من الإيقاع واستواء اللحن، والبصر يخطئ في أكثر مدركاته، فإنه ربما يرى الكبير صغيرا والصغير كبيرا، والقريب بعيدا والبعيد قريبا، والمتحرك ساكنا والساكن متحركا، والمستوي معوجا والمعوج مستويا.

وقال آخر: إن جوهر النفس لما كان مجانسا ومشاكلا للأعداد التأليفية وكانت نغمات ألحان الموسيقار موزونة وأزمان حركات نقراتها وسكونات ما بينها متناسبة؛ استلذت بها الطباع، وفرحت بها الأرواح، وسرت بها النفوس؛ لما بينها من المشاكلة والتناسب والمجانسة، وهكذا حكمها في استحسان الوجوه وزينة الطبيعيات؛ لأن محاسن الموجودات الطبيعية هي من أجل تناسب صنعتها وحسن تأليف أجزائها.

وقال آخر: إنما تشخص أبصار الناظرين إلى الوجوه الحسان؛ لأنها أثر من عالم النفس؛ ولأن عامة المرئيات في هذا العالم غير حسان؛ لما يعرض لها من الآفات المشينة المشوهة، إما في أصل التركيب أو بعده، وبيان ذلك أن الصغار من المواليد يكونون ألطف بنية وأظرف شكلا وصورة؛ لقرب عهدها من فراغ الصانع منها، وهكذا حكم ما يرى من حسن الثياب ورونقها في مبدأ كونها قبل الآفات العارضة لها من الهوام والبلى والفساد.

وقال آخر: إنما تشخص أبصار النفوس الجزئية نحو المحاسن اشتياقا إليها؛ لما بينها من المجانسة؛ لأن محاسن هذا العالم من آثار النفس الكلية الفلكية.

وقال آخر: إن وزن نقرات وتر الموسيقار وتناسب ما بينها ولذيذ نغماتها؛ تنبئ النفوس الجزئية بأن لحركات الأفلاك والكواكب نغمات متناسبة مؤتلفة لذيذة.

وقال آخر: إذا تصورت رسوم المحسوسات الحسان في الأنفس الجزئية؛ صارت هذه مشاكلة ومناسبة للنفس الكلية ومشتاقة نحوها ومتمنية للحوق بها، فإذا فارقت الهيكل الجسداني ارتقت إلى ملكوت السماء ولحقت بالملأ الأعلى، وعند ذلك أيقنت بالبقاء، وأمنت من الفناء، ووجدت لذة العيش صفوا، فقال قائل منهم: وما الملأ الأعلى؟ فقال: أهل السماوات وسكان الأفلاك، فقال: أنى لهم السمع والبصر؟ فقال: إن لم يكن في عالم الأفلاك وسعة السماوات من يرى تلك الحركات المنظمة، وينظر إلى تلك الأشخاص الفاضلة، ويسمع تلك النغمات اللذيذة الموزونة، فقد فعلت الحكمة إذن شيئا باطلا، ومن المقدمات المتفق عليها بين الحكماء أن الطبيعة لم تفعل شيئا باطلا لا فائدة فيه.

وقال آخر: إن لم يكن في فضاء الأفلاك وسعة السماوات خلائق وسكان، فهي إذن قفر خاوية، وكيف يجوز في حكمة الباري - جل ثناؤه - أن يترك فضاء تلك الأفلاك مع شرف جواهرها فارغا خاويا قفرا بلا خلائق هناك، وهو لم يترك قعور البحار المالحة المرة المظلمة فارغا حتى خلق في قعرها أجناس الحيوانات من أنواع الأسماك والحيتان وغيرها؛ ولم يترك جو هذا الهواء الرقيق حتى خلق له أجناس الطيور تسبح فيه كما تسبح الأسماك والحيتان في المياه ولم يترك البراري اليابسة والآجام الوحلة والجبال الراسية حتى خلق فيها أجناس السباع والوحوش، ولم يترك ظلمات التراب وأجناس النبات والحب والثمر حتى خلق فيها أجناس الهوام والحشرات.

وقال آخر: إن أجناس هذه الحيوانات التي في هذا العالم إنما هي أشباح ومثالات لتلك الصور والخلائق التي في عالم الأفلاك وسعة السماوات، كما أن النقوش والصور التي على وجوه الحيطان والسقوف أشباح ومثالات لصور هذه الحيوانات اللحمية، وإن نسبة الخلائق اللحمية إلى تلك الخلائق التي جواهرها صافية كنسبة هذه الصور المنقشة المزخرفة إلى هذه الحيوانات اللحمية الدموية.

وقال آخر: إن كانت هناك خلائق وليس لهم سمع ولا بصر ولا عقل ولا فهم ولا نطق ولا تمييز؛ فهم إذن صم بكم عمي، وقال آخر: فإن كان لهم سمع وبصر، وليس هناك أصوات تسمع ولا نغمات تلذ؛ فسمعهم وبصرهم إذا باطل لا فائدة فيه، فإن لم يكن لهم سمع وبصر وهم يسمعون ويبصرون فهم إذن أشرف وأفضل مما ها هنا؛ لأن تلك الجواهر هي أصفى وأنور وأشف وأتم وأكمل، وقال آخر: إنما استخرجت هذه الألحان الموسيقية التي ها هنا مماثلة لما هناك كما عملت الآلات الرصدية مثل الأسطرلاب والرباب والبنكان وذوات الحلق مماثلة لما هناك.

وقال آخر: إن لم تكن تلك المحسوسات التي هناك أشرف وأفضل مما ها هنا، ولم يكن للنفوس إليها وصول فترغيب الفلاسفة في الرجوع إلى عالم الأرواح وترغيب الأنبياء - عليهم السلام - وتشويقهم إلى نعيم الجنان إذن باطل وزور وبهتان ومعاذ الله من ذلك! فإن توهم متوهم أو ظن ظان أو قال مجادل: إن الجنان هي من وراء هذه الأفلاك وخارجة من فسحة السماوات؛ قيل له: وكيف تطمع في الوصول إليها إن لم تصعد أولا إلى ملكوت السماوات وتجاوز سع الأفلاك؟ ويقال: إنه إذا هبت نسيم الجنان بالأسحار تحركت أشجارها، واهتزت أغصانها، وتخشخشت أوراقها، وتناثرت ثمارها، وتلألأت أزهارها، وفاحت روائحها، فلو عاين أهل الدنيا منها نظرة واحدة لما تلذذوا بالحياة في الدنيا بعد ذلك أبدا، فلمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وبذلك فليفرحوا، هو خير مما يجمعون، والفلاسفة تسمي الجنة «عالم الأرواح».

Halaman tidak diketahui