173

Risalah-risalah Ikhwān aṣ-Ṣafā’ dan Sahabat-sahabat Kesetiaan

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Genre-genre

وأما الطبيعة التي تعين طبيعة أخرى، فمثل البورق الذي يعين النار على سرعة سبك هذه الأحجار المعدنية الترابية، ومثل الزاجات والشبوب التي تجلوها وتنورها وتصبغها ومثل المنيسا والقلى المعينان على سبك الرمل وتصفيته حتى يكون زجاجا شفافا، وعلى هذا القياس والمثال حكم سائر الأحجار المعدنية في تأثيرات بعضها في بعض، فأما تأثيراتها في أجسام الحيوان، فقد ذكر ذلك في كتب الأدوية والطب والعقاقير.

فصل

واعلم أن لهذه الجواهر المعدنية خواص غريبة، وخلقها وتكوينها عجيب جدا، فإذا فكر العاقل في لطيف صنع الباري - جل جلاله - وإتقان حكمته فيها يبقى متعجبا باهتا، ويزداد بربه معرفة ويقينا، وخاصة إذا فكر في خلقة الدرة وتكوينها، وذلك أن هذه الجوهرة إنما هي ماء ورطوبة هوائية عذبة ودهنية جامدة منعقدة بين صدفين كأنهما خزفتان منطبقتان ظاهرهما خشن وسخ وباطنهما أملس نقي أبيض، في جوفها حيوان كأنه قطعة لحم خلقته خلقة الرحم، مسكنه في قعر البحر المالح، وهو قد ضم ذينك الصدفين على نفسه من جانبيه كما يضم الطائر جناحيه عند السكون عن الطيران، مخافة أن يدخل فيه ماء البحر المالح، حتى إذا أحس بسكون البحر عن الاضطراب في أمواجه ارتقى من قعره إلى أعلى سطحه بالليل في وقت من الزمان معلوم مخصوص عنده، وفتح تلك الصدفتين كما تفتح فراخ الطير أفواهها عند زق الطائر لها، وكما يفتح فم الرحم عند الجماع فيرشح في جوفه من ندى الهواء ورطوبة الجو، وتجتمع فيه قطرات من الماء العذب من ذلك والصقيع الذي يقع بالليل على النبت والحشيش، فإذا اكتفى ضم تينك الصدفتين على نفسه ضما شديدا مخافة أن يرشح فيه ماء البحر المالح، فتفسد تلك الرطوبة العذبة بما يخالطها من ملوحته، وينزل برفق إلى قرار البحر فيسكن هناك زمانا، فإذا طال الزمان على تلك الرطوبة العذبة غلظت وثقلت وصارت في قوام الزئبق، وتدحرجت في جوفه بحركته، فيصير حبات مستديرات كما يصير الزئبق إذا تبدد وتدحرج، ثم على ممر الزمان تجمد وتنعقد وتصير درا صغارا وكبارا. @QUR04 ذلك تقدير العزيز العليم.

فصل

واعلم يا أخي إذا تأملت المحسوسات وتصفحت الموجودات وبحثت عن الكائنات التي دون فلك القمر، وجدت أصغرها جسدا وأضعفها خلقة أشرفها جوهرا وأجلها قدرا وأعمها نفعا.

وانظر إلى هذه الثلاثة التي هي الدرة والديباج والعسل، وتأملها تجدها عند الناس أجل الأشياء قدرا وأنعمها لبسا وأطيبها ذوقا، أعني هذه الثلاثة، فإذا تأملت ما ذكر من خلقة هذا الحيوان تبينت أنه أحقر حيوانات البحر وأضعفها، وكما ترى النحل أضعف الطيور بنية وأصغرها جثة، وهكذا دود القز تراه أصغر الحيوان جثة .

فصل

واعلم أن الله - جل ثناؤه - خلق هذه الأشياء المعدنية منافع للحيوان، وخاصة للناس، وجعلهم محتاجين إليها متصرفين فيها متنعمين بها إلى حين، لكيما يتفكر العقلاء في كونها وخلقها وصنعها، فتكون قياسا لهم، فيعلمون أن العالم أيضا محدث مصنوع كائن بعد أن لم يكن، وإن كان كبير الجثة عظيم الخلقة طويل العمر كبير القباء لا يدري العلماء الحكماء على التحقيق أنه متى كان ولا متى يفسد، ويعلمون أن له خالقا خلقه وأوجده وصوره وركب أفلاكه وأدارها وأجرى كواكبه وسيرها ومد شعاعها نحو المركز، ومزج الأركان وزوج الطبائع وأولد منها الكائنات الفاسدات التي هي الحيوان والنبات والمعادن، وسخرها للإنسان وملكه عليها يتصرف فيها كيف يشاء ويحكم عليها بما يريد بالانتفاع منها أو دفع المضار بها، وإنما احتاج العلماء والعقلاء إلى الاستدلال بالشاهد على الغائب، وقياس الجزء على الكل، على أن العالم محدث عند حيرة عقولهم، فإذا فكروا في حدوثه وكونه بعد أن لم يكن، وبحثوا عن تلك العلة الداعية للصانع إلى الفعل إن لم يكن فعل، وهي العلة التي تسمى العلة التمامية التي من أجلها يفعل الفاعل فعله.

ولما فكر كثير من العقلاء في هذه العلة وبحثوا عنها لم يعرفوها، وهكذا أيضا لما فكروا في أمر الفاعل متى فعل، وفي أي زمان عمل، وفي أي مكان لم يعرفوها ولم يتصوروا ذلك، وأيضا لما فكروا وطلبوا أنه من أي شيء عمله وكيف صوره، وأين كانت رجل البركار لما شكل أكر الأفلاك ودور الكواكب وما شاكل هذه المباحث والتفكر في أشياء ليس في طاقة الإنسان معرفتها، ولا في قوة نفسه تصورها، فعند ذلك دعاهم جهلهم وحيرتهم وشكوكهم إلى القول بقدم العالم وأزليته بغير علم ولا بيان إلا أوهام كاذبة وتخييلات باطلة وتمويهات مموهة، وقد علم الله - تعالى - قبل أن خلقهم أنه تعرض لهم هذه الشكوك والحيرة، فأزاح عللهم بأن أراهم أشياء لا يشكون فيها، ولا في كونها، ولا في حقيقتها؛ لتكون مثالا لهم وقياسا على ما لا يشهدونه ويتصورونه في حدوث العالم وصفته ، وهي هذه الكائنات الفاسدات من النبات والمعادن والحيوان، وجعل أيضا مركوزا في جبلة العقول أن الصنعة المتقنة لا تكون إلا من صانع قدير، وجعل أيضا أثر الصنعة باقيا في المصنوع يشاهدونها ليلهم ونهارهم من دوران هذه الأفلاك حول المركز وسير الكواكب فيها وتعاقب الليل والنهار والشتاء والصيف على الأركان الأربعة والتغييرات والاستحالة وتكوين الكائنات الفاسدات، كل هذه دلالة للعقول وشواهد للنفوس على حدوث العالم وتكوينه بعد أن لم يكن إذ لم يوجد في جميع هذه الكائنات الجزئية شيء خال من علة فاعلية وعلة هيولانية وعلة صورية وعلة تمامية، ونحن قد بينا في رسالة المبادئ العقلية ما هذه العلل في حدوث العالم وكونه، فاعرفها من هناك.

وإذ قد ذكرنا طرفا من كيفية تكوين المعادن، فنذكر الآن طرفا من أنواع جوهرها وخواص أنواعها وما ذكره الحكماء، فنبدأ بذكر أشرفها الذي هو الذهب والياقوت، ثم سائر ما يتلوهما نوعا فنوعا؛ فأما الذهب فهو جوهر معتدل الطبائع صحيح المزاج نفسه متحدة بروحه وروحه متحدة بجسده، ونعني بالنفس الأجزاء الهوائية وبالروح الأجزاء المائية وبالجسد الأجزاء الترابية، ولكن لشدة اتحاد أجزائه وممازجتها لا يحترق بالنار؛ لأن النار لا تقدر على تفريق أجزائه، وهو لا يبلى في التراب ولا يصدى على طول الزمان ولا تغيره الآفات العارضة، وهو جسم لين المغمز أصفر اللون حلو الطعم طيب الرائحة ثقيل رزين، صفرة لونه ناريته وصفاؤه وبريقه من هوائيته ولينه من دهنيته ورطوبته وثقله ورزانته من ترابيته؛ لأن كبريته كان نقيا وزيبقه كان صافيا ومزاجه كان معتدلا، وحرارة المعدن طبخته على طول الزمان برفق واعتدال، فإذا أصابته حرارة النار ذابت رطوبته ودارت حول جسده ورطوبته تقابل حرارة النار، وتدفع عن جسده إحراقها، وإذا خرجت من النار جمدت تلك الرطوبة، وإذا طرق امتد تحت المطارق حارا أو باردا، واتسع في الجهات ورق وامتد، ويفتل منه كالخيوط، ويقبل جميع الأشكال من الأواني والحلي وهو يخالط الفضة والنحاس في السبك وينفصل عنهما إذا طرح عليه المرقيشا الذهبي؛ لأنه جنس من الكبريت يحرق غيره ولا يحترق ، وإذا سحق منه وأدخل في أدوية العين نفع، وإذا كوي به موضع لم ينفط، وكان أسرع إلى البرء، وينفع من المرة السوداء وداء الحية وداء الثعلب وأمراض القلب، وهي قسمة الشمس من بين الكواكب، فمن أجل هذه الخصال والفضائل تجمعه الملوك وتدخره في الخزائن، ومن أجل ذلك يقل وجوده في أيدي الناس ويعز وتكثر أثمانه لا لقلة وجوده، ولكن كل من ظفر بشيء كثير منه دفنه في الأرض أو صانه وخباه، فلا يرى منه ظاهرا إلا القليل.

Halaman tidak diketahui