170

Risalah-risalah Ikhwān aṣ-Ṣafā’ dan Sahabat-sahabat Kesetiaan

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Genre-genre

وأما الجبال التي ذكرناها بأنها كالمسنيات للبحار والبريدات لها، فهي راسية في الأرض أصولها، شامخة في الجو رءوسها، شاهق في الهواء ارتفاعها ممتد على وجه الأرض بأطوال ما بين مائتي فرسخ إلى ألف، فمنها ما هو من المشرق إلى المغرب، ومنها ما هو من الشمال إلى الجنوب، ومنها ما هو نكباوات بين هذه الجهات، مذكورة في جغرافيا بعض أوصافها.

واعلم أن الجبال التي ذكرناها منها ما هو صخور صلدة وحجارة صلبة وصفوان أملس، فلا ينبت عليه النبات إلا شيء يسير، مثل جبال تهامة، ومنها ما هي صخور رخوة وطين لين وتراب ورمل وحصاة مختلقة متلبدة ساف فوق ساف، متماسك الأجزاء وهي مع ذلك كثيرة الكهوف والمغارات والأودية والأهوية والعيون والجداول والأنهار والأشجار، كثيرة النباتات والحشائش والأشجار مثل جبال فلسطين، وجبال لكام، وطبرستان، وغيرها، وأما الكهوف والمغارات والأهوية التي في جوف الأرض والجبال إذا لم يكن لها منافذ تخرج منها المياه بقيت تلك المياه هناك محبوسة زمانا، وإذا حمي باطن الأرض وجوف تلك الجبال سخنت تلك المياه ولطفت وتحللت وخرجت وصارت بخارا، وارتفعت وطلبت مكانا أوسع، فإن كانت الأرض كثيرة التخلخل تحللت وخرجت تلك البخارات من تلك المنافذ، وإن كان ظاهر الأرض شديد التكاثف حصيفا منعها من الخروج، وبقيت محتبسة تتموج في تلك الأهوية لطلب الخروج، وربما انشقت الأرض في موضع منها، وخرجت تلك الرياح مفاجأة، وانخسف مكانها، ويسمع لها دوي وهدة وزلزلة، وإن لم تجد لها مخرجا بقيت هناك محتبسة وتدوم تلك الزلزلة إلى أن يبرد جو تلك المغارات والأهوية، ويغلظ، ومتى تكاثفت تلك البخارات واجتمعت أجزاؤها وصارت ماء خرت راجعة إلى قرار تلك الكهوف والمغارات والأهوية ومكثت زمانا، وكلما طال وقوفها ازدادت صفاء وغلظا حتى تصير زئبقا رجراجا وتختلط بتربة تلك المعادن وتتحد بحرارة المعدن دائما في إنضاجها وطبخها، فتكون منها ضروب من الجواهر المعدنية المختلفة الطبائع كما سنبين.

وأما علة اختلاف مياه العيون والينابيع التي في جوف الأرض وكهوف الجبال من العذوبة والملوحة والحموضة والعفوصة الكبريتية منها والنفطية والدهنية، وعلة حرارتها في الشتاء وبردها في الصيف، وما كان على حالة واحدة في جميع الأوقات، فهي بحسب اختلاف ترب بقاعها وتغييرات أهوية مكانها والعوارض التي تعرض لها، ونحتاج إلى أن نذكر طرفا من عللها ليكون قياسا على البقية الباقية فنقول: أما علة حرارة مياه أكثر العيون في الشتاء وبردها في الصيف فهي من أجل كون الحرارة والبرودة ضدان لا يجتمعان في مكان واحد، فإذا جاء الشتاء وبرد الجو، فرت الحرارة فاستجنت باطن الأرض، فسخنت تلك المياه التي في باطنها وعمقها، فإذا جاء الصيف وحمي الجو فرت البرودة واستجنت في باطن الأرض، وبردت تلك المياه التي في باطنها وعمقها، وأما علة حرارة بعض العيون في الشتاء والصيف على حالة واحدة، فهي أن في باطن الأرض وكهوف الجبال مواضع، تربتها كبريتية فتصير تلك الرطوبات التي تنصب هناك دهنية، وتكون الحرارة فيها راسية دائمة بينها أو فوقها مياه في جداول وعروق نافذة، فتسخن تلك المياه بمرورها هناك وجوازها عليها، ثم تخرج وتجري على وجه الأرض وهي حارة حامية، فإذا أصابها نسيم الهواء وبرد الجو بردت، وربما جمدت، إذا كانت غليظة، وانعقدت وصارت زئبقا، أو رصاصا أو قيرا أو نفطا أو ملحا أو كبريتا، أو بورقا، أو شيئا، أو ما شاكل ذلك بحسب اختلاف ترب البقاع وتغييرات الأهوية، وأما علة ملوحة مياه عامة البحار، فهي بعناية من الباري - جل ثناؤه - وحكمة إلهية لما فيه من الصلاح الكلي والنفع العام؛ وذلك أن البخارات المتصاعدة منها في الجو، إذا اختلطت أجزاؤها مع الهواء وتموجت إلى الجهات دبغتها وملحتها ومنعتها من العفن والتغيير والفساد، فلولا ذلك لهلكت الحيوان المستنشقة للهواء دفعة واحدة، وهكذا أيضا تمتنع ملوحة مياه البحار من أن تأسن أو تتغير فيكون ذلك هلاك حيوان البحر جملة واحدة، ولهذه العلة أيضا شدة أمواج البحار في أكثر الأوقات يختلط أعلاها بأسفلها وأسفلها بأعلاها، لئلا تغلظ بطول الوقوف غلظا شديدا أو تجمد فتكون أرضا كلها، ولهذه العلة أيضا إشراق الشمس والكواكب عليها وتسخينها لها، ومنعها من أن تغلظ وتجمد، وكذلك تفعل بالهواء والجو أيضا؛ وذلك أنه لولا مطارح شعاعات الكواكب بالليل لجمد الهواء في المواضع التي لا يطلع عليها الشمس والقمر زمانا، كالتي تحت قطب الشمال والجنوب جميعا، وأما عفوصة مياه بعض العيون فلأنها تجري إليها من مواضع تربها زاجية، وهكذا حكم ما كان طعمه كبريتيا أو نفطيا.

واعلم أن في بعض المواضع يرى من بعيد على رءوس الجبال وبطون الأودية نيران وضياء بالليل والنهار ودخان معتكر ساطع في الهواء ومرتفع في الجو، وعلته أن في جوف الجبال كهوفا ومغارات وأهوية حارة ملتهبة تجري إليها مياه كبريتية أو نفطية دهنية، فتكون مادة لها دائمة، وهي مثل التي بجزيرة صقلية وبجبل مزمهر من خوزستان، وفي بعض المواضع جبال تهب عليها رياح لينة دائما، وجبال تهب عليها رياح باردة في أوقات مختلفة، وهي الجبال التي تكون عليها الثلوج عند ذوبانها، وذلك أنه يتحلل من تلك الرطوبات أجزاء لطيفة تصير بخارا، وترتفع في الهواء فيدفعها إلى الجهات الخمس أو إلى جهة دون جهة مثل ما يهب من جبل الثلج الذي بدمشق، والذي ببلاد داور من جبال غور وجبل دوماند وما شاكلها من الجبال.

فأما الجبال التي تهب منها رياح لينة في دائم الأوقات، فمثل التي ببلاد باميان، وذلك أن هذا الجبل تخرج من أسفله عيون كثيرة وحوله مروج كثيرة، وتجري إلى تلك المروج أنهار وجداول من غير أن ترى عليه ثلوج وأمطار، بل تهب منها أبدا أرياح لينة، فهذا دليل على أن في جوف هذا الجبل مغارات وكهوفا وأهوية باردة مفرطة البرد، تجمد الهواء فيصير ماء ، ثم ينصب إلى أسفله وينزل من مسام ضيقة تجري منها تلك العيون والجداول إلى تلك المروج والبراري والقرى، وبها ينتفع الناس وسائر الحيوان من الوحوش والسباع والأنعام والطير الذي هناك؛ إذ كان هذا الجبل بعيدا من البحار، ولعل الغيوم قل ما تصل إلى هناك لطول المسافة، وإذا تأملت الذي ذكرناه تبينت عناية الباري - جل جلاله - بتقدير خلقه وحسن سياسته لهم، وشفقته عليهم، وكثرة ما أزاح من العلل في مرافقهم وجر المنافع إليهم من كل الوجوه الممكنة من الهيولى المتأني فيها أفعاله.

فصل

واعلم أن الأودية والأنهار أكثرها تبتدئ من الجبال والتلال، وتمر في جريانها نحو البحار والآجام والغدران والبطائح والبحيرات، فمنها ما هو أنهار طوال جريانها من المشرق إلى المغرب كنهر مأوند من سجستان، فإنه يبتدئ من جبال باميان وجبال غور، ويمر نحو المغرب إلى تربة كرمان ثم إلى بحر هرمز، ومنها ما يمر في جريانه نحو المشرق كالأرس والكرس، وهما نهران ببلاد أذربيجان ابتداؤهما من جبال الروم، ويمران متوجهين نحو المشرق إلى بحر طبرستان، فينصبان فيه، ومنها ما جريانه من الجنوب إلى الشمال نحو نيل مصر، فإنه يبتدئ من جبال القمر من وراء خط الاستواء، ويمر في جريانه متوجها نحو الشمال إلى أن ينصب في بحر الروم، ومنها ما يكون جريانه من الشمال إلى الجنوب مثل دجلة، فإنها تبتدئ من جبال نصيبين وتمر في جريانها إلى الجنوب، ثم تنصب إلى بحر فارس بعبادان، ومنها ما يكون جريانه متوجها في إحدى نكباوات مثل جيحون خراسان والفرات؛ وذلك أن جيحون يبتدئ من جبال صنعانيان ويمر متنكبا للغرب والشمال، وينصب إلى بحر جرجان بشمال بلاد خوارزم، والفرات يبتدئ من جبال الروم ويمر متنكبا للمشرق والجنوب، وينصب إلى بحر فارس من عبادان، وعلى هذا المثال سائر الأنهار في الجريان.

وأما علة مدود أكثر الأنهار التي جريانها من الشمال إلى الجنوب في أيام الربيع، فهي من أجل أن الثلوج إذا كثرت في الشتاء على رءوس الجبال الشمالية ثم حمي الجو بقرب الشمس من سمتها ، ذابت تلك الثلوج وسالت منها الأودية والأنهار.

وأما علة مد نيل مصر في أيام الصيف، فهو من أجل أن هذا النهر يجري من الجنوب إلى الشمال، ومبدأ جريانه من وراء خط الاستواء حيث يكون الشتاء عندنا يكون صيفا هناك، وفي الصيف عندنا يكون الشتاء هناك، فتكون في ذلك الوقت كثرة الأمطار هناك، ولهذه الأنهار عطفات وعراقيل يطول شرحها وشرح علتها، وهي تسقي في جريانها السوادات والمزارع والمدن والقرى وما يفضل من مياهها ينصب إلى البحار والآجام والبطائح والبحيرات، ويمتزج بمياهها عذبة كانت أو مالحة، فإذا أشرقت عليها الشمس والكواكب سخنتها وحميت ولطفت وتحللت وصارت بخارا فارتفعت في الهواء وتموجت إلى الجهات، ويكون منها الرياح والغيوم والضباب والطل والندى والصقيع والأنداء والثلوج والبرد على رءوس الجبال والبراري والعمران والخراب.

وأما الأمطار التي تكون على رءوس الجبال فإنها تغيض في شقوق تلك الجبال وخللها، وتنصب إلى مغارات وكهوف وأهوية هناك، وتمتلئ وتكون كالمخزونة ويكون في أسفل تلك الجبال منافذ ضيقة تمر منها تلك المياه، وتجري وتجتمع وتصير أودية وأنهارا، وتذوب تلك الثلوج على رءوس تلك الجبال وتجري إلى تلك الأودية وتمر في جريانها راجعة نحو البحار، ثم تكون منها البخارات والرياح والغيوم والأمطار كما كان في العام الأول و@QUR04 ذلك تقدير العزيز العليم.

Halaman tidak diketahui