Risalah-risalah Ikhwān aṣ-Ṣafā’ dan Sahabat-sahabat Kesetiaan
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
Genre-genre
فإذا تفكر كل عاقل فيما يسمع من الخطب على المنابر في كل الديانات والملل في الأعياد والجمعات، تبين له حقيقة ما قلنا وصحة ما وصفنا.
واعلم يا أخي أن لواضعي النواميس وصايا كثيرة مفننة؛ لأن دعوتهم عموم للخاص والعام جميعا؛ وهم - أعني أتباعهم - مختلفو الأحوال، فبينوا لكل طبقة ما ينبغي ويصلح لها، ولكن الذي عمهم كلهم هي الدعوة إلى الإقرار بما جاءوا به، والتصديق لهم بما خبروا عنه من الأمور الغائبة، علم ذلك أتباعهم أو لم يعلموا.
هذا هو الإيمان كما قال تعالى: @QUR08 يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا فآمنوا بالله ورسوله، ثم أمرهم بعد هذا بأشياء ونهاهم عن أشياء كثيرة هي معروفة معلومة عند علماء أهل الشريعة وفقهائهم، ولكن آخر ما ختمها به قوله: @QUR015 واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون، ويروى في الخبر بأن هذا آخر ما نزل من القرآن.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن أوامر الله تعالى لعباده مماثلة لأوامر الملوك، وذلك أن من سنة الملوك والخلفاء وكثير من الرؤساء ومن آدابهم أنهم إذا تفرس أحدهم في أحد أولاده أو عبيده النجابة والفلاح؛ عني به أفضل عناية في تعليمه وتأديبه ورياضته، وحماه من اللعب واللهو والانهماك في الشهوات، ونهاه عن ترك الآداب وسوء الأخلاق وما لا يليق بأخلاق الرؤساء والعقلاء والأخيار؛ كل ذلك ليتخرج ويكون مهذبا متهيئا لقبول ما يراد منه أن يكون خليفة لمولاه ومكان أبيه في الرياسة والملك.
وهكذا كان تأديب الله تعالى لأنبيائه ورسله وأوليائه من المؤمنين فيما أمرهم به من اتباع رضوانه ونهاهم عنه من اتباع هوى أنفسهم - كما قال تعالى: @QUR014 وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى وهكذا أيضا إن كثيرا من أولاد الملوك وعبيدهم إذا أحس من أبيه أو مولاه ما ذكرنا أخذ نفسه بامتثال أمره ونهيه وترك شهواته واتباع هواه؛ كل ذلك لما يرجو من الأمر الجليل والخطب العظيم، فهكذا حكم أولياء الله من المؤمنين الذين يرجون لقاء الله.
وأما المتخلفون والمدابير من أولاد الملوك والرؤساء وعبيدهم الأشقياء الذين لا يرجون ما يوعدون؛ فهم لا يقبلون ما يؤمرون، ولا يسمعون ما يقال لهم، ولا يفكرون فيما يقال من الترغيب والترهيب، بل يسعون ليلهم ونهارهم في طلب شهواتهم وارتكاب هوى أنفسهم، فلا جرم أنهم يحرمون ما ينال إخوانهم من الرياسة والأمر والنهي والسلطان والعز والكرامات، فأما هؤلاء المدابير من أولاد الملوك فلا يصلحون لشيء غير أن يكونوا رهائن عند أعدائهم، أو معتقلين عند إخوتهم.
فهكذا يا أخي حكم الكافرين والمنافقين والفاسقين في الآخرة؛ يحرمون ما ينال المؤمنين من الكرامات والقرب والمراتب والدرجات والسرور واللذات؛ عقوبة لهم لما تركوا من وصية ربهم، وارتكبوا هوى أنفسهم، وضلوا عن الهدى، وحرموا الثواب والجزاء، كما قال الله تعالى: @QUR017 أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة الآية.
وإذ قد تبين بما ذكرنا أن تأديب الله للمؤمنين مماثل لتأديب الملوك لأولادهم، فنقول: اعلم يا أخي أن وعده ووعيده وعذابه للكافرين والمنافقين والفاسقين مماثل لوعيد الطبيب المشفق الحكيم لولده الجاهل العليل، كما بينا في رسالة الآلام واللذات، وقد ذكر الله وعده للمؤمنين ووعيده للكافرين والمنافقين في القرآن في نحو من ألف آية؛ مثل قوله تعالى: @QUR09 وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار الآية، وإنما جعل الله - جل ثناؤه - ثواب المؤمنين الجنان ونعيم الآخرة؛ لأن الإيمان خصلة تجمع فضائل كثيرة ملكية وشرائط كثيرة عقلية، فللمؤمنين علامات يعرفون بها ويتميزون على الكافرين والمنافقين، وقد بينا طرفا من هذا العلم في رسالة الإيمان وخصال المؤمنين، ولكن نحتاج أن نذكر في هذه الرسالة طرفا منها؛ ليكون تذكارا وموعظة للغافلين، كما أمر الله تعالى بقوله: @QUR05 وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
فصل
اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن خواص عباده المؤمنين العارفين المستبصرين يعاملون الله - جل ثناؤه - بالصدق واليقين، ويحاسبون أنفسهم في ساعات الليل والنهار فيما يعملون، كأنهم يشاهدون الله ويرونه، فيجدون ثواب أعمالهم ساعة ساعة، لا يتأخر عنهم لحظة واحدة، وهي البشرى في الحياة الدنيا قبل بلوغهم إلى الآخرة، ويرون جزاء سيئاتهم أيضا يعقب أفعالهم، لا يخفى عليهم إلا قليل، وإليهم أشار بقوله - جل ثناؤه: @QUR012 إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، وبقوله تعالى: @QUR06 إن عبادي ليس لك عليهم سلطان، وقال: @QUR04 إلا عبادك منهم المخلصين، وآيات كثيرة ذكرها بمدحهم وحسن الثناء عليهم، وهم أعرف الناس بالله وأحسنهم معاملة معه.
Halaman tidak diketahui