قالت «علمت ذلك من عبدنا وكنت قد دبرت حيلة أدخل بها على عمرو لأستمهله في قتل عبد الله باطلاعه على سر المؤامرة فعلمت أنه بعث بهم هذه الليلة لإغراقهم في النيل مخافة أن يترتب على قتلهم جهارا فتنة وهو يعلم أن أنصارهم كثار في الفسطاط. فأسرعت لعلي استطيع إنقاذ عبد الله بحيلة ... فلم يساعدني القدر ... وا أسفاه عليك يا عبد الله ... آه من أهل الظلم ... إن عمرا قد غلب عليا بحيلته فأخرج الخلافة من يده لجهل أبي موسى الأشعري ولكنه لن ينجو بنفسه من غائلة المؤامرين ...».
ثم دنت من سعيد وقالت «أنا أعلم أن فقدان عبد الله مصيبة علينا لأنه شهم ولكنه قضى ضحية واجباته على أننا نرجو أن نعوض عن خسارته بإنقاذ الإمام علي من خطر القتل فاركب إلى الكوفة على عجل وتمم المهمة التي جئت من أجلها. فها قد عرفت اسم المؤامر وإنه سار إلى الكوفة فأسرع ما استطعت قبل فوات الفرصة».
وكان سعيد مع شدة تأثره مما رآه تلك الليلة من الأهوال لا يغفل عما أبدته خولة من الحمية والجسارة وقد ازداد حبا لها وإعجابا بشهامتها ....
وفيما هو يفكر في ذلك ابتدرته قائلة «أعلم يا سعيد أني خرجت الليلة من بيت والدي تحت خطر القتل وأنا أحسبك في الدير كما تواعدنا وكنت عازمة على الذهاب إليك لأستحثك في سرعة المسير ثم أعود إلى والدي انتحل له سببا في خروجي. أما وقد التقينا هنا فإني استودعك الله وألتمس منك أن تسرع في الذهاب وإني عائدة إلى بيتنا وسأرسل إليك جملا مع عبدنا وآمره أن يسير في ركابك إلى الكوفة».
الفصل التاسع والأربعون
السفر العاجل
فأعجب سعيد بتدبيرها وثبات جأشها ورأى نفسه ضعيفا بين يديها ولم يستطع مخالفتها فقال لها «لا نلبث أن نتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وها إني خارج إلى جبل المقطم فهل يوافيني عبدك وجملك إلى هناك؟»
قالت «إنه سيوافيك حالا سر بحراسة الله واحذر أن تفوتك الفرصة. إن ابن ملجم قد سبقك إلى هناك ... هل فهمت ذلك؟» قالت ذلك ومدت يدها إليه فصافحها ويده ترتعش وقد نسي حاله لحظة ثم تذكر ما هو فيه من الأمور الهامة. وربما اضطرب قلبه بين يدي خولة ولكن حبه قطاما مازال غالبا عليه على أنه عول في باطن سره إذا نجح في مهمته أن لا يدع خولة تخرج من يده فيجعل لها مقاما في قلبه. فقال لها «أرجو أن تذكريني وتدعي لي بالتوفيق».
قالت وقد فهمت مراده «سر إني معك وإن كنت في الفسطاط وأرجو أن يجمعني بك يوم ينجو به الإمام من أيدي الظالمين وينال ما يستحقه من الاستقلال بالخلافة».
فاتخذ قولها تعنيفا له لافتكاره بالحب ونحوه وهو في مهمة أرفع منزلة من ذلك.
Halaman tidak diketahui