فلما وقع نظر سعيد على الرق علم أنه الصك الذي كتبه لقطام يوم خطبها فأيقن أن قطاما هي التي أرسلت هذا الرق إلى دار الإمام لتوقع به. ورآها لفرط حيلتها قد محت اسمها عنه ووقعت اسم فتاة أخرى فصمت ولم يجب.
فاتخذ قنبر من سكوته حجة عليه فصاح فيه «أجب قل.. أليس هذا خطك؟»
فارتبك سعيد في أمره ولكنه مازال يرجو التخلص بما يحمله من النبأ الأكيد عن مكيدة ابن ملجم فقال له «هب أنه خطي ولكنني جئتكم بخبر المكيدة التي كادها بعض الناس على الإمام ألا تمهلوني ريثما أخبركم».
فلم يصبر قنبر على سماع كلامه وصاح فيه قائلا «وأي مكيدة أعظم من أن تتعهد بقتل الإمام ... امكث هنا الليلة وغدا لناظره قريب».
قال ذلك وخرج وأغلق الباب عليه.
الفصل الثالث والستون
بلال
فلما خلا سعيد في تلك الحجرة ظن نفسه في منام وجعل يفكر في أمره وفي دهاء قطام وكيف أوصلت هذه الورقة إلى هذا الرجل لإتمام حيلتها ولكنه لم يكترث بما عامله به قنبر وعول على مقابلة الإمام في الصباح باكرا وإطلاعه على سر الأمر.
وأما إيصال ذلك الصك إلى قنبر فإنما سعت فيه لبابة المحتالة بإشارة قطام بعد أن تداولتا في إتمام الحيلة مخافة أن يطلع سعيد على مكيدتها قبل وصوله إليها أو أن يذهب إلى منزل الإمام قبل المرور بها. فاستخرجت ذلك الصك وغيرت فيه ألفاظا رفعت بها الشبهة عنها وكلفت لبابة فأتت منزل قنبر في صباح ذلك اليوم بدعوى أنها دلالة تبيع الأقمشة وألقت إلى قنبر حديثا لفقته بحيث تثبت الشبهة على سعيد فلا يصغي أحد إلى كلامه. وكان أنصار علي قد سمعوا طنينا عن عزم بعض الناس قتل الإمام. فلما رأى قنبر الصك وعلم أن صاحبه أموي ربي في بيت عثمان وقام بنصرته لم يبق عنده شك بتهمته وخصوصا بعد أن رآه قادما قدوم اللص بعد منتصف الليل. فلما قبض عليه حبسه في تلك الحجرة إلى صباح الغد ليرى رأي الإمام به بعد أن يعود من صلاة السحر. وما علم ما خبأته الأقدار للإمام قبل إتمام تلك الصلاة.
أما بلال فإنه مكث بالجملين في ساحة الكوفة ينتظر قدوم سعيد. فلما أبطأ عليه انشغل باله ولكنه لم يظن سوءا لما يعلمه من سلامة نية سعيد. وفيما هو جالس يفكر في ذلك سمع آذان السحر فعلم أن عليا يخرج في تلك الساعة للصلاة فهرول نحو المسجد وهو على مقربة منه فدخله فرأى فيه قبة مضروبة علم أنها قبة بعض النساء ممن يجلسن لسماع الصلاة. فوقف وعيناه شائعتان لعله يرى سعيدا. فإذا برجال دخلوا وفيهم رجل ملثم وقد التف بعباءة يخفي تحتها سيفا فتفرس فيه عن بعد فرأى على وجهه أثر السجود فعلم أنه ابن ملجم
Halaman tidak diketahui