... ... ثم إن بعض هؤلاء المبتدعة قد زاد في شططه ، وتجاوز حدود نمطه حيث اعترض على مثل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، بسبب ما تقدم عنه من القصة ، وفي بعض رواياتها أنه قال لهم : ما عهدنا ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أراكم إلا مبتدعين ، فما زال يكرر ذلك حتى أخرجهم من المسجد ، فطعن فيه هذا المبتدع ، وقال في حقه : إنه كان متعصبا ، وهذا من غاية الجرأة على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، الذين قال عليه الصلاة والسلام في حقهم: ( الله الله في أصحابي/لا تتخذوهم8ب غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، يوشك أن يأخذه ) ، وخصوصا مثل عبد الله بن مسعود الذي هو من أكابر الصحابة ، وفقهائهم ، ومن أهل بدر ، وخادم النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاحب سره ، وقال في حقه ما حدثكموه ابن مسعود فصدقوه ،ولما أمره النبي صلى الله عليه وسلم ، فصعد شجرة ضحكوا من حموشة ساقيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هما في الميزان يوم القيامة أثقل من أحد ) ، وقال علقمة : كان عبد الله يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته ،وقال أبو موسى الأشعري : مكثت حينا وما أحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل البيت ، إلى غير ذلك من فضائله ، التي يطول ذكرها ، فكيف يجوز التكلم في حق مثله بما فيه شين ما ، بل يجب أن يعد من جملة مناقبه الحمية لإقامة السنة ، وإزالة البدعة ، وأما الاعتراض بأن فعله ذلك يدخله تحت قوله تعالى : [ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ] (¬1) فناشيء عن عدم التأمل في معنى الآية باعتبار تركيبها ، فإن محل [أن يذكر] النصب ، على أنه ثاني مفعولي منع ، وحينئذ يفهم من السلب الكلي ، وهو ينتقض بالإيجاب الجزئي ، فإن من قال : منعت فلانا عطائي ، لا يصدق إذا أعطاه نوعا من العطاء ، وإنما يصدق بمنع جميع أنواع العطاء ، فعلى هذا لا يصدق عليه أنه مانع مساجد الله ذكر اسم الله إلا بمنع جميع أنواع الذكر ، لا بمنع نوع واحد من الذكر ، وهي البدعة المخالفة لطريقة النبي صلى الله عليه وسلم ، وطريقة أصحابه ، مع عدم منع ما سواه من أنواعه ، وكذا إن كان نصبه بنزع الخافض ، أي من أن يذكر ، فهو بمنزلة قولك منعته من عطائي ، وإن نصب على أنه مفعول له ، وكراهة أن يذكر فيها اسمه ، فأظهر ، فإن فعله رضي الله عنه ليس لأجل كراهة ذكر اسم الله ، بل إنما هو لكراهة البدعة ، التي ينبغي تطهير/المساجد منها ، وإذا وجب صون9 المساجد عن الأمور المباحة كالبيع والشراء ، وإنشاد الضالة ، فصونها عن فعل البدع المكروهة أوجب وأوجب .
... وبالله التوفيق ، عصمنا الله من أفعال المبتدعين ، وحشرنا في زمرة الذين لم يزالوا للسنة متبعين بمنه وكرمه ، إنه أرحم الراحمين .
... تمت الرسالة ولله الحمد على يد محررها الفقير إلى رحمة ربه الغني ، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي إمام الجامع المحمدي بقسطنطينية المحروسة وقت الضحوة الكبرى ، يوم الأحد خامس ربيع الآخر ، سنة أربع وثلاثين وتسعمائة ، وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه وسلم .
Halaman 23