Rahman dan Syaitan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Genre-genre
Gnosis ، وهي كلمة من أصل يوناني تدل على المعرفة بشكل عام، ولها أشباه في بقية اللغات الهندو-أوروبية، مثل قولنا بالإنكليزية
Know
أي يعرف و
Knowledge
أي معرفة. على أن المعرفة التي تشير إليها المفاهيم الغنوصية هي أقرب إلى مفهوم «العرفان» بمصطلح التصوف الإسلامي، أي إنها فعالية روحانية تقود إلى معرفة الأسرار الإلهية من خلال تجربة باطنية تقود إلى الكشف والاستنارة. ففي مقابل التزام اليهودي بالشريعة وأدائه للطقوس، وفي مقابل إيمان المسيحي بيسوع المخلص، فإن الغنوصي ينكفئ على ذاته في خبرة عرفانية تقوده إلى معرفة الله الحي ذوقا وكشفا وإلهاما. هذه المعرفة هي وحدها الكفيلة بتحرير الروح الحبيسة في إطار الجسد المادي والعالم المادي الأوسع، لتعود إلى العالم النوراني الذي صدرت عنه.
ولكن الله الحي الذي يبحث عنه الغنوصي في داخله، ليس الإله يهوه صانع هذا العالم المادي، بل الله العلي الذي يتجاوز ثنائيات الخلق ويسمو فوقها. فهم يعتقدون أن هذا العالم الناقص والمليء بالشرور ليس من صنع الله، بل من صنع إله أدنى هو إله التوراة، الذي يطابقون بينه وبين أنجرا ماينو شيطان الزرادشتية، ويدعونه بأمير الظلام وحاكم العالم المادي، ويصورونه على هيئة ملك متربع على عرش العالم يحيط به مساعدوه من قوى الظلام المدعوون بالأراكنة «مفردها أركون أي الحاكم». هذا الإله الخالق هو نقيض إله الأنوار الأعلى الذي لا يحده وصف ولا يحيط به اسم، وهو يعمل دوما على حبس النور في طبقات المادة الكثيفة التي خلق منها العالم. وعندما جاء إلى خلق الإنسان في نهاية عمل التكوين، صنع جسمه من مادة الأرض الظلامية، ثم حبس روحه التي أخذها من نور الأعالي المسروق في ذلك الجسد، ولكي يبقيه في حجب الجهل فقد فرض عليه الشريعة، التي تشغله عن العرفان واكتشاف الجوهر الحقيقي للروح.
فيما عدا الغنوصية المانوية التي تحولت على يد معلمها «ماني» إلى ديانة مؤسساتية خلال أواسط القرن الثالث الميلادي، فإن الفكر الغنوصي لم يطور أيديولوجيا دينية موحدة ومنمطة، وبقيت الفرق الغنوصية أقرب إلى الفرق الصوفية التي يتبع كل منها معلما روحيا ذا نهج خاص وفكر متميز، مع اشتراكها جميعا بعدد من الأفكار العامة التي ميزها عن غيرها من التيارات الدينية والفلسفية، التي كانت تتمازج وتتلاقح خلال فترة تعد من أخصب فترات التاريخ الروحي والثقافي للحضارة الإنسانية. ونظرا لخلو الغنوصية من التعاليم والأيديولوجيا الناجزة، فقد تطورت ضمنها اتجاهات متنوعة بينها الوثني واليهودي والمسيحي، وجميعها تدين بأصولها إلى شكل من الغنوصية المبكرة هي الحكمة الهرمزية، التي قامت على تعاليم وأفكار شخصية يلفها الغموض هي هرمز المثلث الحكمة. وإلى هرمز هذا تنسب مجموعة من رسائل الحكمة تمتزج فيها أفكار الأفلاطونية المحدثة بالميثولوجيا المصرية في أشكالها المتأخرة ذات الطابع السراني المسطيقي . وقد كتبت هذه الرسائل في مطلع القرن الأول قبل الميلاد في مدينة الإسكندرية. ولهرمز المثلث الحكمة قول مأثور تداولته فيما بعد الفرق المسطيقية وصولا إلى الصوفية الإسلامية وهو: «إن من يعرف نفسه يعرف الكلي»، ولقد جعل المتصوفة المسلمون من هذا القول حديثا نبويا لا سند له: «من عرف نفسه عرف ربه.»
2
اتخذت الغنوصية شكلها الناضج على يد معلمها الكبير فالينتينوس، الذي ولد حوالي عام 10 ميلادية بمنطقة الدلتا بمصر، من أسرة ذات أصول يونانية، وتلقى علومه بالإسكندرية، مدينة العلم والثقافة لذلك العصر، وبؤرة إشعاع الفكر لأفلاطوني المحدث والفكر الهرمسي. اتصل بالمسيحيين واعتبر نفسه مسيحيا، ولكنه شكل لنفسه شبكة من الأخويات الغنوصية ضمن كنيسة الإسكندرية، وأسس أكاديمية للبحث الحر. اعتبر فالينتينوس نفسه المفسر الحقيقي لتعاليم المسيح، وبلغ من ثقته بنفسه أنه قد دعا لنفسه كمرشح لكرسي الباباوية في أواسط القرن الثاني الميلادي، رغم أن تعاليمه تشكل انشقاقا كاملا عن لاهوت العهد القديم، وتفسيرا مغرقا في التطرف لحياة يسوع ورسائل بولس الرسول. يرى فالينتينوس أن بؤس الإنسان ناجم عن سجن روحه في المادة المظلمة من قبل يهوه، إله العهد القديم وخالق العالم المادي، ولكن الخلاص متاح أمام كل فرد من خلال الغنوص أو العرفان الداخلي، ورغم أن هذا العرفان ذو طابع فردي في أساسه ويؤدي إلى خلاص فردي في النهاية، إلا أن كل فعالية عرفانية فردية تؤثر على صيرورة الكون بكامله وتساعد على تخليص العالم، كما تساعد على إصلاح الإله الخالق نفسه لأنه إله جاهل ومحروم من العرفان اللازم لخلاصه، ولكن الإنسان قادر على معونته وعلى شفائه وتحريره من خلال تلمسه للنور الروحاني في داخله.
يعتبر باسيليدس المعلم الثاني للغنوصية بعد معاصره فالينتينوس. اعتبر نفسه مسيحيا أيضا، وبقي عضوا في كنيسة الإسكندرية حتى آخر أيامه، رغم أن أتباعه كانوا يقولون بأنهم ليسوا يهودا ولم يصبحوا بعد مسيحيين. أسس باسيلديس مدرسة غنوصية اجتذبت الكثير من الأتباع خلال النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، وكان يبشر بالله العلي الذي يسمو على الإله يهوه إله العهد القديم. أنتج باسيليديس ميثولوجيا على غاية من التعقيد والغموض في موضوعات النشأة الأولى والتكوين، ففي البداية لم يكن شيء سوى العدم والإله الخفي المتلفع بالعدم، ثم أنتج الإله الخفي بشكل تلقائي بذرة الكون التي تنطوي على كل الممكنات التي تحققت فيما بعد ، مثلما تحتوي حبة الخردل على ممكنات الجذر والساق والأوراق ... إلخ. من هذه البذرة خرج الأركون الأكبر المدعو يهوه وباشر بخلق العالم المادي دون أن يعلم بوجود الإله الخفي الأسمى منه.
Halaman tidak diketahui