Rahman dan Syaitan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Genre-genre
يسود الاعتقاد لدى الباحثين في الديانة المصرية القديمة بأن الإله سيت هو أقدم الآلهة المصرية المعروفة لنا من الفترات التاريخية، فلقد كان هذا الإله هو معبود الرئيسي للسكان الأصليين قبل استهلال عصر الأسرات الأولى عند أعتاب الألف الثالث قبل الميلاد، وهو العصر الذي ترافق مع حلول أقوام جديدة وفدت إلى مصر من سوريا حاملة معها معتقدات دينية جديدة، ومهدت لتشكيل أسس أول مملكة موحدة لمصر القديمة، ولقد تسربت هذه الأقوام إلى منطقة الدلتا في أواخر الألف الرابع قبل الميلاد، وأخذت تبسط سلطتها تدريجيا باتجاه مصر العليا، مخضعة السكان الأصليين وصولا إلى شلال النيل الأول في أقصى الجنوب، ويبدو أن هذا التوسع قد تم في البداية تحت قيادات قبلية متفرقة، ثم انتهى بتشكيل مملكتين واحدة جنوبية في مصر السفلى وأخرى شمالية في مصر العليا. ومع مطلع الألف الثالث قبل الميلاد قام ملك مصر العليا المدعو نارمر (أو مينا، وفق المؤرخ المصري المتأخر مانيتو)، بتوحيد الإقليمين وأسس أول أسرة حاكمة في التاريخ المصري.
وقد ترافق بسط السلطة السياسية للجماعات الجديدة مع نشر معتقداتها الدينية، وراح إلههم الأعلى المدعو حوروس
1
ينافس إله السكان الأصليين المدعو سيت في كل مكان. وبذلك تم التأسيس لثنائية سيت-حوروس التي استمرت فاعلة في الديانة المصرية حتى نهايات التاريخ المصري. لا نستطيع رسم معالم واضحة لشخصية الإله سيت في طوره القديم السابق لعصر السلالات قبل انتشار عبادة الإله حوروس، ولكن نصوص الأهرام «وهي أقدم النصوص الدينية المصرية، وترجع بتاريخها إلى أواسط الألف الثالث قبل الميلاد» تقدم لنا الصورة اللاحقة له بعد أن تم إنزاله إلى المرتبة الثانية، فصار مجسدا لكل القوى السالبة في الكون وفي حياة الطبيعة، في مقابل حوروس الذي صار مجسدا لكل القوى الموجبة، وتتجلى هذه الصورة البدئية للسلب والإيجاب في ثنائية النور والظلام، والنظام والفوضى، وما ينضوي تحتهما من ثنائيات. فالإله حوروس هو سيد السماء، والشمس التي تهب الحياة وتعكس بحركتها الثابتة نظام الكون الدقيق، أما الإله سيت فهو العدو الأول للشمس وللضوء بجميع أشكاله؛ فهو الذي يحرف مسار الشمس باتجاه الجنوب عقب الانقلاب الصيفي، ويسرق من نور القرص فتقصر ساعات النهار لحساب ساعات الليل، وهو الذي يسرق من نور القمر عقب اكتماله بدرا فيتناقص ليلة بعد ليلة حتى ينطفئ في آخر الشهر القمري، ولكن الإله ثوث يعمل على إشعاله مجددا في أول أيام الشهر التالي، وفي هيئة الوحش الخرافي آبيب، ينقض سيت على قرص الشمس في نهاية رحلته الليلية عبر المسار السفلي، ليطفئه ويمنعه من الشروق مجددا، مستخدما أسلحة الظلام والمطر والغيوم والضباب، ولكن حوروس «أو رع في الأساطير اللاحقة» يتصدى له متسلحا بالحر اللاهب وبسهام الضوء النافذة، وبعد صراع مرير يقع آبيب صريعا وتتبعثر أشلاؤه، ولكنه بعد إفلات الشمس من قبضته إلى يوم آخر، يعود إلى جمع أعضائه بقواه الذاتية، ويجدد نفسه استعدادا للصراع التالي.
والإله سيت هو سيد العماء والشواش الذي يعارض نظام الطبيعة ويعمل على نشر الفوضى، ومملكته تقع في الجهة الشمالية من السماء، وهناك يقيم في كوكبة الدب الأكبر. وكانت جهة الشمال عند المصريين، وخصوصا سكان مصر العليا، هي إقليم الظلام والبرد والمطر والضباب والبروق والرعود، ومنه تأتي العواصف والأعاصير، وجميع هذه الظواهر الطبيعية «التي لم تكن تتصل بالخصب نظرا لاعتماد الزراعة في وادي النيل على الفيض السنوي للنهر» كانت تحت سيطرة الإله سيت، وبها يهدد استقرار الطبيعة. ولكن الإلهة ريريت، التي تمثلها الرسوم المصرية على هيئة خرتيت بذراعي امرأة، كانت موكلة بتقييد هذه القوى الظلامية بالسلاسل ومنعها من السيادة على الأرض والسماء، كما كانت تفسح طريقا في الأعالي لمسار الشمس التي قرنتها النصوص المبكرة بالإله حوروس. وإلى جانب ريريت هنالك أولاد حوروس الأربعة الموكلون أيضا بكف أذى سيت ولجم قواه المؤذية، وهم يرافقونه على الدوام ويظهرون على شكل أربعة نجوم تبدو خلف نجم الزاوية في كوكبه الدب الأكبر، وهو النجم المدعو بركبة الإله سيت.
لا يوجد اتفاق بين الباحثين حول المعنى الدقيق للاسم سيت ولكن البعض يرى - اعتمادا على المقارنة مع اللغة القبطية - أن الكلمة تتضمن معنى الأسفل، مثلما تتضمن كلمة حوروس معنى الأعالي، فحوروس هو ساكن الأعالي وسيت هو ساكن الأسافل. كما تساعدنا الإشارة التي تسبق كلمة سيت في الكتابة الهيروغليفية،
2
على تبين خصائص وصلاحيات أخرى للإله، فالإشارة هنا هي نفس الإشارة التي تكتب بها كلمة الصخرة، وفي هذا دلالة غير مباشرة على ارتباط سيت بالأراضي الصخرية الجرداء وبالصحاري القاحلة وبالبوار والجفاف. وهنا يخبرنا المؤرخ المصري مانيتو بأن أية حمولة حجرية كانت تدعى عظام الإله سيت. ورغم أن النصوص المصرية تطلق على سيت لقب القدير والمزدوج القوة والمحارب الجليل، إلا أن المؤرخ الإغريقي بلوتارخ يخبرنا في نصه المعروف عن إيزيس وأوزوريس أن الأسماء التي يطلقها المصريون على هذا الإله تنطوي جميعها على معاني القوة السالبة والمعطلة والكابحة والمخربة.
فنحن هنا أمام قطبية كونية لا تحمل أية دلالة قيمية. لقد تأمل المصريون الكون وحياة الطبيعة من حولهم، ورأوا فيها قوتين ساريتين متعارضتين ومتعاونتين في الوقت نفسه، ورأوا في الظواهر جميعها نتاجا لتداخل هاتين القوتين وفعلهما المشترك. من هنا لا عجب إذا رأينا أن الأعمال الفنية في مطلع عصر الأسرات تمثل الإلهين سيت وحوروس في جسد واحد يحمل رأسين: واحدا لحوروس وواحدا لسيت، أو واحدا لصقر وهو رمز حوروس وواحدا لحمار وهو رمز الإله سيت. ولا عجب أيضا إذا قرأنا في نصوص الأهرام أنهما يدعيان بالأخوين وبالتوءمين أيضا، رغم العداء الأبدي بينهما والصراع الدائم الذي لا يصل إلى نتيجة حاسمة، مثلما لا يصل التناقض بين القوتين الكونيتين إلى إلغاء واحدة وسيادة الأخرى ، لأنه لا غنى عن صراعهما وعن تعاونهما من أجل صيرورة العمليات الجارية على مستوى الكون ومستوى الحياة الطبيعانية.
وبما أن سيادة إحدى القوتين الكونيتين على الأخرى سوف يؤدي إلى اختلال نظام الكون، فإن الآلهة كانت تتدخل في صراع سيت وحوروس كلما علا أحدهما على خصمه وأوشك أن يجهز عليه، ففي أكثر من نص نجد أن الإله ثوث يهب للفصل بين الخصمين عند وقوع أحدهما تحت وطأة الآخر، وهذا ما أعطاه لقب قاضي الإلهين المتخاصمين، وفي نصوص أخرى نجد الإلهة إيزيس تهرع لنجدة سيت الذي كبله حوروس بالأصفاد وهم بالإجهاز عليه، فتفك قيوده وتطلق سراحه. كما أن الرسوم الجدارية المصرية ورسوم البرديات ملأى بمشاهد الصراع ومشاهد تدخل الآلهة الأخرى للفصل بين الخصمين أو لعون الخاسر فيهما، وإلى جانب تمثيلها لجانب التناقض في علاقة الإلهين التوءمين، فإن الرسوم والمنحوتات المصرية تعمد إلى إظهار الوجه التحتي الآخر للعلاقة وهو وجه التعاون. ففي نحت بارز من مدينة طيبة نجد سيت وحوروس يقفان عن يمين ويسار الفرعون سيتي الأول ويصبان على رأسه قربان ماء الحياة، وفي عمل فني آخر نجدهما يضعان معا تاج المملكة الموحدة على رأس الفرعون رمسيس الثاني، وتحت الشكل نقش هيروغليفي يقول على لسان سيت: «إني أثبت التاج على رأسك ... وإني أهبك الحياة والقوة والصحة ...» ونقش آخر يقول على لسان حوروس: «إني أهبك حياة تعادل حياة الإله رع، وسنوات بعدد سنوات الإله طيم»، وفي عمل فني ثالث نجد الإلهين بصحبة الفرعون تحوتمس الثالث، وكل منهما يعلمه كيفية استخدام أحد الأسلحة.
Halaman tidak diketahui