فاستضحك الملك وقال: يا لك من رعديد اليوم! .. لست كعهدي بك .. ومن عسى أن تختاري يا ترى؟
فقالت بخشوع: مولاي .. المحب شديد المخاوف، ورسولي فنان يزخرف الحجرة الصيفية، له سن الشباب ونفس طفل وقلب عذراء طاهرة، ويخلص لي إخلاصا لا مزيد عليه. ومزيته الظاهرة أنه لا يثير الشبهات ولا علم له بشيء، وإنه لخير لنا أن يحمل رسالتنا من لا يدري بأمرها الشديد الخطر .. فلو جهلنا الخوف لاقتحمنا المهالك آمنين.
فهز الملك رأسه راضيا. وكان يكره أن يقول لها لا. وظنت رادوبيس أن السحابة انقشعت وإن كان انقشاعها على وجه غير الوجه الذي قصدت إليه بادئ الأمر، ففرحت وأطلقت لفرحها العنان، وأيقنت أنها ستستطيع عما قريب أن تذهل عن الدنيا في قصر الحب هذا، تاركة أمر حمايتها لجيش عرمرم لا يهاض له جناح.
وأحنت رأسها بالأحلام، فراق الملك جمال شعرها، وكان يحبه، فعبث بأنامله في عقدته فانحلت وسال على كتفيها، فتنشقه وجمعه بين يديه، وغمر به رأسه ووجهه في دعابة حتى لم يبد منهما شيء.
الرسول
وأشرق صباح اليوم الثاني، وكان الجو باردا والسماء متلفعة بأردية السحب، تبيض وتتوهج فوق منبع الشمس كوجه بريء يعلن ظاهره عن باطنه، وتظلم الآفاق البعيدة كأنها ذيول ليل نسيها وراءه بعد إدباره.
وكان ينتظرها عمل عظيم لا يرتاح إليه قلبها، ولا يرضى عنه تطهرها يوم تطهرت في المعبد، وأقسمت ليزول الماضي بشوائبه. كان الذي ينتظرها أن تخدع بنامون، وتعبث بعواطفه ليخدم حبها ويحقق غرضها. على أنها لم تتردد قط لأنه كان ينبغي أن تسبق الزمن، وكانت تحنو على حبها حنوا كبيرا، فلم تبال أن تقسو في سبيلهما قساوة مرة .. وغادرت مخدعها إلى الحجرة الصيفية عظيمة الثقة؛ لأن التغرير ببنامون كان أمرا سهلا لا يكلف مكرا.
وسارت على أطراف أصابعها، فوجدت الشاب يتطلع إلى صورتها، ويترنم مغنيا أغنية كانت تغنيها في الأماسي الخوالي مطلعها:
إذا كان حسنك يصنع المعجزات،
فلماذا لا يقدر على شفائي؟
Halaman tidak diketahui