Kitab al-Radd wa-al-ihtigaj ala al-Hasan bin Muhammad bin al-Hanafiyyah
كتاب الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية
Genre-genre
فلعمري، لقد تقدم في ذلك الجواب، وقلنا فيه إن شاء الله بالصواب، ولا بد أن نقول فيما سأل عنه في هذا الجواب، نأتي على شرحه إن (شاء الله بشرح شاف، فنقول)(1): إن معنى قوله سبحانه: {ونذرهم في طغيانهم يعمهون}، هو تركه لهم من توفيقه وتسديده، وعونه ولطفه وتأييده، لما خرجوا منه من طاعته، وارتكبوا بطغيانهم من معصيته، فولى بعضهم بعضا، ولم يقم لهم سبحانه أمرا، كما قال سبحانه:{وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون} [الأنعام: 129]، فلم يبرأ منهم سبحانه، ويكلهم إلى أنفسهم جل وعظم شأنه؛ إلا من بعد أن تولوا، وكفروا وتعدوا، فاستوجبوا منه الخذلان، بما تمادوا فيه من الطغيان، كما يستوجب الرشد والتوفيق بالطاعة منه المؤمنون، واستأهل بالاهتداء منه والزيادة في الهدى المهتدون، كما قال أحكم الحاكمين وأصدق القائلين:{والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} [محمد: 17]، فأخبر سبحانه أنه ولي للمتقين، مجانب خاذل للفاسقين، وكذلك قال سبحانه رب العالمين: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} [محمد: 11]، يريد سبحانه أنه ولي الذين آمنوا والمتولي في كل الأسباب لهم، وأنه الخاذل للكافرين والتارك لتأييدهم، الرافض لتوفيقهم وتسديدهم، ألا ترى كيف يقول ويخبر بتأبيده وصنعه وتسديده ولطفه للمؤمنين، وتخليته بين الكافرين وبين من أطغاهم(2) من الطاغوت، والطواغيت فهم الذين أجابوهم إلى دعائهم، واتبعوهم في أهوائهم؛ من مستجني الشياطين(3)، وأبالسة الإنس الملاعين؛ الذين أطغوهم واستهووهم في الردى والطغيان، ومنوهم مع الإقامة على ذلك من الله الغفران، قال الله سبحانه: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} [البقرة: 257].
وأما ما قال وعنه سأل فقال: هل يعذب الله أحدا على فعل فعله به؟ أم هل يقدر الخلق على الخروج مما أدخلهم جل جلاله فيه؟
فقولنا في ذلك على الله بما تقدم من شرحنا له، من أن الله جل جلاله أعز وأكرم وأرأف وأرحم وأجل وأحلم من أن يدخل عباده في سبب من الأسباب أراده ثم يعذبهم عليه أو يعاقبهم فيه، إن هذا إذا لأجور الجور من الفعل، وإنه من فاعله لأجهل الجهل، فلو كانت أفعاله لا تتم إلا بأفعالهم؛ لكانت حاله في العجز كحالهم، ولكان مضطرا إلى خلقهم وإيجادهم، إذ لا يتم له فعل إلا بأعمالهم، فخلقه إياهم(1) إذا نظرا منه لنفسه لا لهم؛ وضرورة الخالق إلى الخلق في فعله، كضرورة الخلق إلى الخالق في أمره، فكل إلى غيره محتاج، وذلك فبين على قياسهم(2) في المنهاج، ولو اشتبهت الحالات؛ لاشتبهت بلا شك الذات(3)، فسبحان من بان عن خلقه فليس له حد ينال، ولا مثل يضرب له به الأمثال، الذي بان من كل فعل فعله، وجل عن كل قول قوله.
وأما ما قال من قوله: هل يقدر الخلق على أن يخرجوا مما أدخلهم الله فيه وصنعه بهم؟ فإن ادخال الله وصنعه بالعباد يكون على معنيين كليهما متضادين:
أحدهما: إدخال حكم وأمر وافتراض منه معه تمكين واختيار، لم يرد الله أن يدخلهم فيه جبرا، بل أراد أن يدخلوا اختيارا، بما ركب فيهم وأعطاهم من الآلات والاستطاعات، ليكمل لهم الثواب على الطاعات، ولو أدخل قوما في الطاعة وأدخل آخرين في المعصية ثم أثاب وعاقب لكان على غير فعلهم عاقب وأثاب، جل الله عن ذلك رب الأرباب، فهم قادرون على الخروج من هذا الفعل على ما ذكرنا من تمكين الله الواحد الأعلى.
Halaman 377