Kitab al-Radd wa-al-ihtigaj ala al-Hasan bin Muhammad bin al-Hanafiyyah
كتاب الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية
Genre-genre
ولقد فرق الله بين فعل عباده في ذلك وبين فعله، وبين سبحانه لهم كل أمرهم من أمره، فقال سبحانه: {وجآءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} [ق: 19]، فأخبر أن سكرة الموت، وورود ما ينتظر من الفوت؛ من الله لا من الخلق، فصدق الله إن الموت يأتي بالحق، وينزل بما وعد من الصدق، فسمى ما كان منه حقا وحكما، وما كان من عباده الظلمة عدوانا وظلما، ولو كانا من الله شرعا سواء؛ لذكر الله أنهما منه جميعا حقا. وقال جل جلاله : {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون} [آل عمران: 157]، ففرق بين القتل والموت، فكان القتل من عباده فعلا، والموت منه عز وجل حتما. وقال: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا} [الإسراء: 33]، فقال: {قتل مظلوما} فأخبر بقوله: (( مظلوما )) أن له قاتلا ظلوما عنيدا، {وما ربك بظلام للعبيد} [فصلت: 46]؛ فإن كان قتل بأجله؛ فأين الظلم ممن قد استوفى كل أمله، وفنيت حياته، وجاءت وفاته، وفنيت أرزاقه، وانقضت أرفاقه(1). فما يرى إذا ذو عقل للقاتل في مقتول(2) فعلا، ولا عليه تعديا ولا قتلا، ولا جناية ولا ظلما، ولا يرى له حاكم عليه حكما، أكثر من جرح إن كان جرحه، أو وكز إن كان وكزه؛ لأن قاتله ومفني أرزاقه، ومبيد ايام حياته؛ هورب العالمين، في قول الجاهلين. ولو كان ذلك كذلك؛ لنجا القاتل من المهالك، ولم يكن على من جرح إنسانا متعمدا(3) جرحا فقتله؛ أكثر من أن يجرح جرحا مثله ويخلى، فإن مات منه مضى، وإن برئ منه فقد سلم ونجا، وكذلك قال الله: {والجروح قصاص} [المائدة: 45]، فما معنى قوله: {النفس بالنفس} عندهم؟ وماذا يقع عليه حقا ظنهم؟ أشيء سوى إخراج نفسه من جسده، كما أتلف وأخرج نفس صاحبه بجرحه؟ ولو كان كما يقولون؛ لكان واجبا على الحكام إذ يحكمون؛ أن يقتصوا منه لأولياء المقتول جرحا، ويخلوا عنه بعد ذلك ولا يطلبون لنفسه تلفا ولا قتلا، فإن انقطع أمله وحان أجله مات، وإن لم يحن أجله ونجا(1) من القتل والفوات؛ فيكون(2) قد اتوا على ما قال الله في قوله: {والجروح قصاص}، لا، بل أراد سبحانه من ولي الأمر إخراج نفسه، وإتلاف روحه وقطع عمره ليجد غب(3) ما اكتسب من فعله.
وقال سبحانه: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا}، فما هذا السلطان الذي جعله الله لولي المقتول، عند من قال بهذا البهتان والزور من القول المخبول(4)؟!. فلا يجدون بدا ولله الحمد من أن يقولوا: إنه ما جعل الله له من القتل عليه، وأطلقه له فيه بجناية يديه؛ فله أن يقتله إن شاء، وإن شاء أخذ الدية أو عفا.
ثم يقال لهم: هل جعل الله له سلطانا على ما يقدر إذا شاء عليه؛ ام على ما لا يصير أبدا إليه؟ فإن قالوا: على ما يقدر عليه؛ فقد رجعوا عن مقالتهم، وتابوا إلى الله من جهالتهم. وإن قالوا: على ما لا ينال؛ أبطلوا كتاب الله ذي الجلال، ونسبوه سبحانه إلى الإستهزاء، وقول الزور في ذلك والردى.
Halaman 325