Kitab al-Radd wa-al-ihtigaj ala al-Hasan bin Muhammad bin al-Hanafiyyah
كتاب الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية
Genre-genre
ثم نقول من بعد ذلك: إن معنى قوله سبحانه: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم}، هو: خلينا، ولم نحل بين أحد من بعد أن أمرنا ونهينا. وليس إرساله للشياطين؛ إلا كإرساله للآدميين، فكل قد أمره بطاعته، ونهاه عن معصيته، وجعل فيه ما يعبده به من استطاعته، ثم بصرهم وهداهم، ولم يحل بين أحد وبين العمل، فمن عمل بالطاعة أثابه، ومن عمل بالمعصية عاقبه، ولم يخرج أحدا من معصيته جبرا، ولم يدخله في طاعته قسرا، فكان ما أعطى من أعطى من الجن والإنس(1) من الاستطاعات، وترك قسرهم على الطاعات؛ إرسالا وتخلية منه لهم في الحالات، لا ما يقول به أهل الجهالات: {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم} [الأنفال: 42]، فلما خذل الكافرين بكفرهم، ولعنهم بجرأتهم(2)، وتبرأ منهم بعصيانهم؛ غريت(3) بهم الشياطين، وسولت لهم وأملت، فاتبعوها ولم يعصوها ويبعدوها(4)، ولم يتذكروا عندما يطيف بهم طائف الشيطان بل تكمهوا، وغووا وعموا، ولم يكونوا في ذلك عنده كالذين اتقوا؛ فيفعلوا عند إلمام الشيطان بهم كما فعلوا. قال الله سبحانه: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} [الأعراف: 201]، يقول سبحانه: ذكروا ما نهاهم الله عنه من طاعته، وأمرهم به من مخالفته واتخاذه عدوا؛ حين يقول: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} [فاطر: 6]، فلما أن طاف بالمؤمنين، ودعاهم إلى ما أجابه إليه من الكفر بالله الفاسقون؛ ذكروا الله، وتذكروا أمره ونهيه، وما أمرهم به من طاعته، وحذرهم من معصيته، فأبصروا الحق واجتنبوا اللعين(1) وعصوه، وفيما دعاهم إليه من العصيان خالفوه. ألا تسمع كيف أثنى عليهم بذلك ربهم، وذكر عنهم سيدهم وخالقهم؛ حين يقول: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [الحجر: 42]، يقول سبحانه: إن عبادي المؤمنين، وأوليائي المتقين؛ لا يجعلون لك عليهم سلطانا، ولا يطيعونك فيما تأمرهم به من العصيان، بل يحترسون منك بطاعة الرحمن، وتلاوة القرآن، ويخالفونك(2) صاغرا في كل شأن، فلا يجري (ولا يجوز) (3) لك عليهم سلطان، وليس تخليته للشياطين؛ إلا كإذنه للساحرين؛ حين يقول: {وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله}، فإذنه في ذلك تخليته، وترك الصرف لهم جبرا عن معصيته، والإدخال لهم جبرا في طاعته. تم جواب مسألته.
المسألة الرابعة والثلاثون:
عن فرعون، هل كان يستطيع أن يقتل موسى حتى لا يرده الله إلى أمه؟
ثم أتبع ذلك المسألة عن قول الله سبحانه في موسى، وما وعد أمه أن يرده إليها ويجعله من المرسلين؛ فقال خبرونا عن قول الله سبحانه: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رآدوه إليك وجاعلوه من المرسلين} [طه: 39]، هل كان فرعون يستطيع أن يقتل موسى(4) حتى لا يرده الله إلى أمه، ولا يجعله من المرسلين؟ فإن قالوا: نعم، كذبوا وجحدوا، وإن قالوا: لا، فقد نقض ذلك قولهم. تمت مسألته.
Halaman 453