Kitab al-Radd wa-al-ihtigaj ala al-Hasan bin Muhammad bin al-Hanafiyyah
كتاب الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية
Genre-genre
وأما ما ذكر من قول الله سبحانه في بني النضير من اليهود: {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يآ أولي الأبصار}؛ فكذلك فعل الله بهم. وذلك أنهم كانوا قد هادنوا الرسول عليه السلام، وخضعوا لأهل دعوة الإيمان والإسلام، حتى كان يوم الأحزاب، فجاءت قريش ومن تحزب معها من العرب؛ من اليمن ومضر، وأمدهم في ذلك يهود خيبر؛ يقاتلون الرسول والمؤمنين، مع أعداء الله الفاسقين، فلما أتى يهود خيبر أرسلوا إلى يهود بني النضير فوعدوهم أن يقاتلوا الرسول من ورائه إذا حميت الحرب بينه وبينهم، فنزلت بنو عامر أحد(1) من فوق المؤمنين، ونزلت قريش بطن الوادي من أسفل منهم، وكانت اليهود يهود خيبر قبل المسلمين(2) مما يلي الحرة، وبنو النضير من وراء الرسول صلى الله عليه وآله، وفي ذلك ما يقول الله عز وجل: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا} [الأحزاب: 1011]، فكان فيمن نزل أحد (3) من العرب رجل أشجعي(4) يحب الإيمان، ويبغض أهل العدوان؛ فأفسد بين المشركين طرا، وذلك أنه أتى قريشا فقال لها: إن العرب قد ظافرت محمدا عليكم، ووعدته المحاربة معه لكم، وآية ذلك أنهم لن يبدأوه بالمحاربة، فخذوا حذركم، ولا تبدأوه حتى يقاتلوه قبلكم، ثم أتى أصحابه وبني عمه وجماعة العرب؛ فقال: إن قريشا قد عاقدت محمدا عليكم، وعلامة ذلك أنهم لن يبدأوه بالمحاربة قبلكم، فاعملوا لأنفسكم، ودبروا أموركم، ولا تقاتلوا حتى ترسلوا إليهم فيقاتلوا قبلكم، فإن فعلوا وإلا فاحذروا مكرهم، والحقوا وشيكا ببلدكم، ثم أتى يهود خيبر فقال: إن قريشا قد عاقدت محمدا عليكم، وآية ذلك انها لا تبدأه بالمحاربة قبلكم، وأتى قريشا فقال لها: إن اليهود قد ظافرت محمدا عليكم، وآية ذلك أنهم لا يبدأونه بالمنابذة قبلكم، فطرح في قلوب كل لكل بلاء وحقدا، ومخافة وشحناء، فأقام كل ينتظر أن يبدأ بالمحاربة غيره، فلما طال ذلك عليهم تراسلوا بينهم، يسأل كل كلا؛ أن ينصب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حربا، وكلهم(1) يأمر صاحبه أن يبدأ، فصح لذلك عندهم قول الأشجعي فتفرقوا، وفسدت قلوب بعضهم على بعض، فرحلت العرب طرا راجعة إلى بلدها، وأرسل الله سبحانه الريح على قريش واليهود، وأمد المؤمنين بالنصر منه والجنود، فلم يقم(2) لقريش خباء ولا ظل، ولا تستوقد لهم نار إلا أطفأتها الريح وفرقتها وحرقتهم بها، فأقاموا ثلاثا لا يختبزون ولا يصطلون(3)، فاشتد عليهم القر والجوع، ورماهم الله بالذل فأزمعوا(4) على الرجوع، ورحلوا راجعين خاسرين، خائبين نادمين، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا} [الأحزاب: 9]، فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقاتل بني النضير؛ إذ نقضوا عهده، وخالفوا أمره، فحاصرهم حتى جهدوا، فقالوا: يا محمد، خلنا نخرج من البلد بما حملت إبلنا؛ التي في الحصن(5) معنا من متاعنا، ونخلي لك الباقي ومالنا من الضياع، ونشرط ألا نخرج بسلاح، ونترك الديار والنخل والقرى، فرضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فخرجوا بإبلهم، عليها جيد(1) متاعهم، وتحف أبوابهم، فلما قلعوا التحف تهدمت وجوه البيوت، وذلك تدبير منهم، ليخربوها عليهم، فكان أحدهم إذا هدم لحاف بيته بطل البيت، ثم خرجوا على الإبل بالتحف، فذلك قول الله سبحانه: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار}، فخرجوا جالين(2)، ولنعمهم تاركين، وذلك قول أصدق الصادقين: {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار} [الحشر: 3]، والتعذيب فهو القتل، فكان الرعب الذي قذفه الله في قلوبهم؛ هو ماكان من خذلانه لهم حتى عمي عليهم رشدهم، وفاسدوا إخوانهم، ودخل الفزع عند ذلك من النبي والمؤمنين في قلوبهم، وأيقنوا أنه إذا علم بما كان من مظافرتهم عليه، وصاروا من الغدر به إليه؛ أنه لا يتركهم، وأنه يقاتلهم على فعلهم، حتى يظهر الله عز وجل الحق، ويزهق الباطل من الخلق. وهذا معنى القاء الله الرعب في قلوب الفاسقين؛ لما أرادوا من هلاك المؤمنين. وكذلك كان فعله بأهل خيبر حتى أخذوا وأسروا، وقتلوا وسبوا.
فهذا قولنا في إلقاء الله الرعب في قلوب الفاسقين، لا ما ذهب إليه من خالف المحقين، وعند من قول الصدق في رب العالمين. تم جواب مسألته.
المسألة السادسة والعشرون:
Halaman 427