Kitab al-Radd wa-al-ihtigaj ala al-Hasan bin Muhammad bin al-Hanafiyyah
كتاب الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية
Genre-genre
وأما ما سأل عنه وقال، وتوهم من المحال؛ في قول الله تبارك وتعالى: {فأثابكم غما بغم}، وأن ذلك الغم: هو غمهم (يوم حنين) (1) حين أدال الله المشركين على النبي والمؤمنين، فغلط وأخطأ في ذلك، ولم يكن ولله الحمد كذلك، ولم يدل الله الكافرين على المؤمنين، لأن الإدالة هي معونة وتأييد، ونصر وتسديد، ولن يقول(2) مؤمن بالله: إن الله نصر في ذلك اليوم أعداءه على أوليائه، ولا نصر جيش أبي سفيان(3)، على جيش رسول الرحمن، صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن الله أراد بالمؤمنين المحنة والبلاء، حتى يعلم الله أهل الصبر والإحتساب والتقى، ألا تسمع كيف قال الله: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} [محمد: 31]، فنصرهم في أول الأمر وأراهم ما يحبون؛ فخالفوا نبيه وعصوه؛ في تنحيهم عن باب الشعب الذي أوقفهم عليه، وأمرهم أن يرموا من صار من المشركين إليه، فلما رأوا الهزيمة على المشركين قد أقبلت، وتيقنوا أنها بهم قد حلت؛ طمعوا فيما يطمع فيه مثلهم من الغنائم، ورجوا أن يكون شدهم على الكفار مع أصحابهم أصلح، وفي الأمر الذين يراودون(4) أنجح، فزلوا وعصوا الرسول فيما أمرهم به من الثبوت على باب الشعب، وكان ثباتهم عليه على المشركين أصعب، فلما أن تنحوا أمكن للكافرين ما أرادوا، فظفروا من المسلمين ببعض ما أحبوا، ثم لاقوا من بعد ذلك من نصر الله للحق ما كرهوا، فثبت الله من بعد ذلك المؤمنين، وغفر لأهل الخطيئة المذنبين، وأنزل عليهم السكينة، وغشاهم النعاس أمنة منه، كما قال الله سبحانه: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء}، قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله: {قل إن الأمر كله لله}، ثم قال سبحانه لنبيه: {يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك}، ثم أخبر عما أخفوا، وما من المنكر أجنوا(1) فقال: {يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا}. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين أتته قريش ونزلوا بأحد، شاور أصحابه فأشاروا عليه بأن يثبت في المدينة، فإن أقاموا أضربهم المقام حتى ينصرفوا، وإن صاروا إلى المدينة فدخلوا ، قاتلهم بها الصغير والكبير والنساء من فوق البيوت، فأراد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم أشاروا عليه من بعد بالخروج إليهم، فنهض فلبس لأمته(2) ثم خرج عليهم، فقالوا: يا رسول الله قد رأينا رأيا، إنا لم نقاتل ببلدنا وبين دورنا أحدا إلا أظهرنا الله عليه، وبلغنا فيه ما نريد، فأقم بنا مكاننا على رأينا الأول، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله، (( كان هذا أولا، إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يقاتل عدوه ))، فخرج وخرج معه ألف من الناس، فلما فصل من المدينة رجع عنه عبدالله بن أبي سلول رأس المنافقين في ثلثمائة من الفاسقين، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى لقي القوم، فكان من أمرهم ما ذكرنا، ومن حالهم ما شرحنا، فذلك قولهم: {يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا} يقولون: لو أطاعنا، أو كان الرأي إلينا؛ لكنا قد ثبتنا في بلدنا حتى يدخلوا علينا فنقاتلهم، أو يرجعوا عنا فنتبعهم، فقال سبحانه: {قل إن الأمر كله لله}، أي الأمر أمر نبيه الذي افترض عليكم طاعته، فليس لأحد منكم سبيل إلى مخالفته؛ إلا بالكفر والعصيان؛ للواحد العزيز الرحمن. ثم أعلاهم من بعد تلك السقطه(1)، وأنزل عليهم الأمنه، ورد إليهم النصر وشد لهم ما ضعفوه من الأمر، وصرف عنهم أعداءهم لم يدركوا(2) كل ما طلبوا وطمعوا به فيهم ؛ من القوة والظهور عليهم.
وأما ما ضل فيه من قوله: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم}، فقال: إن الله كتب على الكافرين قتل المؤمنين، وكتب على المؤمنين ظهور الكافرين وقتلهم إياهم، فتوهم أن الكتاب من الله هو حتم وفعل فيهم، وقضاء كائن قضى به عليهم، ولو كان ذلك كما ظن الحسن بن محمد لكان المشركون لله مطيعين، ولأمره وقضائه منفذين، ولم يكن عليهم في ذلك إثم، ولا عند الله جرم، بل كانوا في ذلك مثابين، وعليه غير معاقبين، ولم يكن المؤمنون بمثابين؛ إذ الله فعل بهم ذلك من القتل وقضاه عليهم، فكل في الطاعة له سواء، تبارك عن ذلك العلي الأعلى.
فأما وجه الحق في ذلك، ومعنى قول الله سبحانه: {كتب عليهم}، فهو علم منهم، لا أنه أكرههم ولا قضى عليهم، ولكن علم من يختار الخروج ولقاء الأعداء، ومن يقتل عند التنازل(3) واللقاء. فعلمه وقع على اختيارهم وخروجهم فخروجهم فعلهم لا فعله، وقتلهم فعل الكفار لا قضاؤه، فهم على خروجهم، وقتالهم واجتهادهم مأجورون، وعند الله مستشهدون. والفسقة المشركون على قتلهم معاقبون، وعند الله في الآخرة معذبون، فكل نال بفعله من الله ما أوجبه عليه من الثواب والعقاب. والحمد لله رب الأرباب، والمجازي للخلق يوم الحساب.
Halaman 390