والفلاسفة المهوّسين، والمعتزلة والأشاعرة والمرجئة، وغيرهم من أصحاب المقالات المخالفة لهدي رسول رب العالمين.
لكن مع هذا الشرّ المستطير؛ لم يندثر علماء أهل السنة والجماعة، علماء الطائفة المنصورة والفرقة الناجية؛ أهل الحديث والأثر، بل إنهم لكل هؤلاء كانوا بالمرصاد، فقابلوا الباطل بالحق، والجهل بالعلم، والبدعة بالسنة، والكذب بالصدق، والادّعاء بالحجة، وجرّدوا أهل الفتنة والبدعة من سلاحهم، وجاهدوهم بسلاح البيان والعلم، فناظروهم وناقشوهم، وألّفوا الردود على بدعهم وباطلهم، وأظهروا الحق والمحجة الواضحة.
وكان من بين أولئك الأئمة العلماء الثقات الأمناء؛ شيخ الإسلام نادرة زمانه، المجدد أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني- ﵀.
فقد «قضى جلّ حياته في جهاد أهل الباطل والبدع؛ ببيانه الواضح، وقلمه السيّال، وإمكاناته العقلية الهائلة، وشجاعته النادرة، فأنتج كل ذلك هذه الثروة العظيمة من المؤلفات التي أعلى الله بها منار الحق، ودفع بها الباطل.
وكان يركّز في أكثرها على أولئك المبتدعة- من صوفية وأشعرية- والذين يصرّون على الانتساب إلى أهل السنة والجماعة، ذلك الأسلوب الذي خدعوا به الأمة الإسلامية، فأوقعوا أجيالا منهم في أحضان البدع والخرافات المشينة ...
لقد كانت كتابات وجهاد ومؤلفات شيخ الإسلام تركّز على فكر ومناهج وعقائد تلك الطوائف المعتزية إلى السنة والجماعة- وهي بعيدة عنها-؛ فألّف في هذا الميدان الكثير والكثير؛ مثل: «در تعارض العقل والنقل» و«بيان تلبيس الجهمية» وجانب كبير من فتاواه، وجانب كبير من كتابه «منهاج السنة» الذي ألّفه ردا على الروافض، ومثل «الحموية» و«الواسطية» و«التدمرية» و«التوسل والوسيلة» و«الرد على البكري» و«الرد على الأخنائي»، وغير هذه؛ مما صبّه حمما على هذه الأصناف الخطيرة ...» «١».
ولا شك أن الردّ على المخالفين من المبتدعة وأهل الأهواء؛ فيه حماية للشريعة الغراء، وهو من أصول الاعتقاد، واتباع سير الأسلاف، وفيه قمع للمعاندين والمنافقين، وشدّ أزر الموحّدين، وإعلاء لمنهج سيد الأنبياء والمرسلين «٢».
_________
(١) من كلام العلامة السّلفي حامل لواء الجرح والتعديل؛ ربيع بن هادي المدخلي- سلّمه الله- في كتابه الماتع:
«منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف» ص ١٠٢ - ١٠٣. بتصرف يسير.
(٢) ومن أراد الوقوف على أهمية الرد على أهل الأهواء فلينظر «الرد على المخالف من أصول الإسلام» للشيخ بكر أبو زيد.
1 / 7