59

Tuhan Zaman

رب الزمان: الكتاب وملف القضية

Genre-genre

التهديد بالقتل

وإن ما يؤكد الهواجس ويدعمها، أن الرجل ساق حديثه هذه المرة في هيئة من يملك سلطانا أو يتوقعه، بشكل يشبه بيانات المسئولين وتصريحاتهم، فهو يصدر الأوامر، ويتحدث عن سيطرة الإسلام وسيطرة الدولة، ثم يلقي بما لم يكن متوقعا، فيهدد المخالفين، «المؤمنين بأن الإسلام قرر حرية الاعتقاد»، بالقتل إن لم يصمتوا، لكنه في هذه الفقرة الأخيرة القاتلة تحديدا، تحول خطابه عن الجماعة إلى المفرد، كما لو كان يعني شخصا بعينه وبالذات، يعلمه ويوجه له رسالته الموجزة: اصمت أو ارحل، أو تقتل، ويبدو أن هذا الشخص ممن تصعب مناقشتهم أو اتهامهم بشيء من سيل الاتهامات المعتادة، والرجل بذلك يتصور أن بمقدوره أن يخيف، غير مدرك أن الموت دفاعا عن قضية شريفة هو الخلود الحق، وأن من عرض نفسه على أمانة الكلمة ومصير الناس في هذا الوطن لا يخشى تهديدات الشيخ ولا قنابل صبيته، وإن كانت ثقة الرجل وهو يلقي بهذا الكلام الفلوت تعكس تخطيطا بعينه يوقن بسلامة برمجته حتى النهاية، فمرحبا بموت يرحل بنا عن عالم أقنان تحت عرش عمائم وسيوف مشرعة، فموت صاحب المبدأ بشرف يختلف تماما عن موت جهول يطمع في الخمور والحور، فلسنا نحن أيها الشيخ من يطلب الحانات والنساء (؟!) فقط لتتذكر أن من قتل لافوازيه لا يعرف أحد اسمه وبقي ذكر لافوازيه خالدا، ولتذكر أن من ذبح الحلاج ذهب إلى سلة مهملات التاريخ وبقي ذكر الحلاج، ونحن نؤمن تماما أن ما نطمع إليه من حياة أفضل للأجيال المقبلة، لن يكون دون تضحيات نحن أهل لها، ولو كانت بقرارات قاتلة أنتم أهل لها.

يا أبا العزائم نظرة!1

بعد عملنا الذي نشرناه بمصر الفتاة «الرد على الأضاليل في تنظيرة بني إسرائيل»، والذي تم نشره على مدى عشرة أسابيع متصلة، كان مفترضا ومتوقعا أن تتم مهاجمتنا بشكل ما، وكان من الفطنة أن نترقب حملة قريبة علينا، ربما تأخذ أبعادا تتسم بالخطورة، وأن نتهيأ لما سيحدث، وبالفعل بدأت البوادر ولكن بسرعة وسفور مدهشين! متمثلة في هجمة شرسة شنتها علينا مجلة تدعى الإسلام وطن (عدد 52)، وعلى واحد من أعمالنا، هو كتاب الحزب الهاشمي، بحيث لبس الهجوم زيا مألوفا ومعتادا في تأليب الجماهير وخداعها ضد مصالحها، ولا جدال أن ربطنا لهذا الهجوم بأول الموجات ضدنا وضد أعمالنا مقابل المؤسسة الصهيونية العالمية يجد تبريره في ذلك التزامن الغريب وفي طبيعة الجهة المهاجمة ومناهجها وهو الأمر الذي كان لا بد يحمل ذلك المغزى الذي لا يخفى على لبيب.

ويزداد ذلك الترابط تبريرا إذا ما نظرنا إلى ذكاء الاختيار، وترتيب الأدوار، وطبيعة الخطاب الموجه ضدنا، واستفزازه للمشاعر الدينية، بأسلوب معلوم، استخدم ضد من سبقونا من باحثين مثلنا، كانوا يؤدون المقدمات لما نؤديه نحن الآن، وقد أدى ذلك الدور أحد كتاب المجلة المذكورة أعلاه، وهو أيضا أحد أصحابها وهو نائب رئيس مجلس إدارتها الذي هو شقيقه، فهو سماحة صاحب الفضيلة القطب الصوفي العزمي حفيد الإمام المجدد وابن الخليفة الأول، وشقيق الخليفة القائم لمشيخة الطريقة العزمية الشيخ السيد اللواء عصام الدين ماضي أبو العزائم، وهو فيما تزعم المجلة المذكورة سليل الحسن والحسين، أي إنه من آل البيت، أي إنه هاشمي في حساب الأنساب. ومن هنا حشد الشيخ اللواء ما ينوء به من ألقاب ضدنا ليتناول كتاب «الحزب الهاشمي» وصاحبه بالقذف والتشهير والسب والتفكير، لكن كل ذلك في رأينا، رغم تجاوزه لآداب الخطاب وقواعد اللياقة لم يشكل سوى زوبعة كلامية لم تغنها تجاوزاتها وأغراضها عن أن تكون كالعهن المنفوش، بحيث كشفت عن سوء فهم متعمد، وإسقاط لسوء الغرض على نوايانا وما تخفي صدورنا، وهو الأمر الذي يكشف عنه وضع السيد اللواء الطبقي وانتماؤه الوظيفي، وظرفه السيادي، ومنظومته التي يحتل فيها مكانا ومكانة، وعليه فإن كل ما قدمه السيد اللواء ليس فيه رد موضوعي واحد يستحق المناقشة، بقدر ما هو لون من التحريض الواضح؛ لذلك رأيناها من جانبنا استفزازا وتهجما نعلم خلفياته، ومن هنا فقط وليس من قيمة الموضوع يأتي اهتمامنا بالاستجابة له حتى يكون هناك تقييم دقيق للقدرات، وممكنات الطرفين في تلك المعمعة التي توشك على البدء والله المستعان.

منهج الخطاب

وقد اتبع الشيخ اللواء منهجا معتادا، ليس له غرض سوى هزيمة الخصم بأي أسلوب ممكن، حتى لو كان تزييفا متعمدا على القارئ لتحقيق الغرض الأساسي وهو التحريض! ومن هنا قام السيد اللواء يقتطع من كلامنا على هواه، وينتزع عبارات كتابنا من سياقها على نمط «لا تقربوا الصلاة» بحيث شوه ما كتبنا ، وقال غير ما قلناه، غير مدرك إلى أي منزلق ذهب، لكنه لم ينس تخويفنا، فوضع في صدر لعناته وسبابه صورة لسيادته بزي الشرطة الرسمي، تعمد فيها أن يلقي بكتفه الأيمن أمام عدسة المصور، ليظهر ما يحمله كاهله من أثقال، ولبيان صورة النسر والسيفين لكل ذي عينين.

وهكذا يعلم القارئ من الصورة البهية، والألقاب السنية، أننا أمام مهاجم ذي شأن، يجمع بين قدرات العارفين الواصلين، وسلطان أهل السلاطين، إضافة إلى ما أبانه من إحاطة بالقول المأثور، والدر المكنون، مثل أقوال «برنارد شو» و«كارلايل» والمؤرخ «ديورانت»، ومدائح السيد «ويلز» ومواجيد المستر «هارت»، فأبان عن علم واضح بالأقوال الابتدائية التي كنا نحفظها من كتاب المطالعة الرشيدة، ليكسب بها ثقة من لا يفقهون القول فيتبعون أسوأه، وأول ما يسترعي العجب في هجوم السيد اللواء، أنه لم يضع لموضوعه عنوانا، إنما صدره بلافتة عريضة، تحمل الآية الكريمة:

وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ، وهكذا بدأ الرجل موضوعه بأحسن الكلام، لكن اختياره للآية وانتقاءه لها مع ربطها بما نسبه إلينا يكشف أنه بدأ بالغمز الصريح واللمز الواضح «ويل لكل همزة لمزة»، مستغلا كلام الحق تعالى في غير موضعه، موظفا كلمات القرآن الكريم لغرض السب والقذف! وبحيث تحول ضابط الأمن من الحفاظ على أمن المواطن والذي يتقاضى عليه راتبه ضرائب من جيوبنا إلى محرض لشذاذ الآفاق، من تتر هذا الزمان الرديء ليستأصلوا شأفتنا وشأفة ولدنا من أطفال أبرياء، بعد أن ألصق بنا تهمة الكفر والضلال.

فلا تطالع أول كلماته إلا وتجده يقول عن كتابنا: إن به آراء وأفكارا ضد الإسلام ونبي الإسلام وضربات خفية وظاهرة للإسلام وكعبة الإسلام! وأننا فعلنا ذلك بوضع السم في العسل؛ وهكذا ورط ذو السيفين نفسه بإصداره الأحكام، بزعمه القدرة على قراءة النوايا بغير بيان؛ لذلك بات من حقه علينا لوجه الأمانة أن نعلمه بحقيقة موقفه معنا، بقولنا يا ذا السيفين لقد تجاوزت حدود وظيفتك، بل وعكست الأدوار ووظفت قلمك بتسرعك غير المحمود، فأصبحت أهلا لما يمكن أن نقول.

Halaman tidak diketahui