كتبت في بوش في 19 أغسطس سنة 1940
كيف نتقي أهوال الحرب
حين أعلنت هذه الحرب، ودخل في التقدير العام أن مصر قد تكون هدفا من أهدافها، جعلت أفكر وأطيل التفكير فيما عسى أن تدرأ به عن نفسها، وتدافع المغير عن أرضها، وتكفل بالأمن والسلامة للوادعين الساكنين من أذى ما يعتريهم من الجو في هذه الحروب الحديثة من كل مدمدمة قاصفة، ومزلزلة خاسفة، ومن كل كاوية حارقة، ومن كل سامة خانقة.
جعلت أفكر في هذا وأطيل التفكير، وكان أول ما انحط إليه الفكر بالضرورة هو إعداد العدة، واتخاذ الأهبة من تجييش الجيوش، وإمدادها بالسلاح والعتاد وتغذيتها بالوسائل التي نضح بها العقل، وتمخضت عنها التجارب وانتهى إليها الفن الحربي، سواء في إلحاق الأذى بالعدو وفي اتقاء أذى العدو.
وهذا ما تمضي فيه الحكومة جادة جاهدة فوق ما تأخذ به الأهلين من الرياضة على النظام في أوقات الشدة، وتدريب الكثيرين منهم على حسن المعونة في الأحداث؟
ثم ماذا؟ ...
اللهم إن هذا كله وأضعاف أضعافه لا يقي البلاد، ولا يكفل السلامة والنجاء، وإلا لكان أضمن لهذا وأكفل، أولئك الذين أعدوا للحرب والسلامة من ويلات الحرب، ما لا يتصوره العقل ولا يكاد يتعلق به الخيال، وهذه الطائرات المغيرة تدمدم عليهم في أعز مآمنهم، فتنسف الدور عليهم نسفا، ولا تألو حتى الشيخ والمرأة والطفل فتكا وعصفا!
إذن فلا نجاء ولا سلامة، وإذن فلا بد من أهوال تذكر أهوال القيامة؟
يا ويلتا! أترى العقل الإنساني قد عجز عن أن يستحدث ما يقي حتى الوادعين من غير المقاتلين ذلك البلاء، ويعصمهم من هذه المحن والأرزاء؟
هذا العقل البشري الذي استحدث في الزمن اليسير، كل تلك الفواتك المدمرات القاصفات سواء منها ما يتخذ سبيله سويا في جحر، وما يزلزل الأرض، وما يرمي الخلق بما لا تبلغه ثورة البراكين وما يدمر حتى الحديد المصفى من جو السماء - أترى العقل البشري قد عجز حقا عن أن يبتكر ما يكفل الأمن والعافية، ولو لهؤلاء الوادعين العاجزين عن الخروج إلى معترك القتال!
Halaman tidak diketahui