ثم سعيت في الوصول إلى عميد الجوهريين أسأله عما تساوي الجوهرة التي بنيت عليها الآمال، وكنت أدخل المخازن لأختار منها تحفا لأهديها لأنيسة وأصحابي في لبنان، ولم أكن أرضى بغير الأصناف الفاخرة ، وطالما تبسمت استخفافا عندما كنت أسمع التجار يقولون: إن الأصناف التي أشير إليها يزيد ثمنها الأضعاف عمن سواها.
ولم يكن إلا أيام قلائل حتى شاع أني من أغنى خلق الله، وفي الحال تقاطر إلي من كل صوب عدد وافر من أبناء وطني وخلاني ولم أك أدري بوجودهم في تلك الأصقاع قبل أن طارت شهرة غناي، وما أكثر من كان يدعوني حينئذ أو يعرض علي خدماته.
وكثر تحدث الناس عن ثروتي قائلين: ما أسعد هذا السوري فإنه عاد من مناجم الترانسفال بالقناطير المقنطرة.
ولما أتيت عميد الجوهريين وعرضت عليه قطعة الألماس تأملها وبعد الفحص قال متهكما: ما أتقن الصناعة فيها، فلو عرضتها على بائع الحلي الزجاجية اشتراها بعشرة شلنات، أما أنا فلا أشتري الألماس الكذاب.
ولا حاجة إلى وصف ما ألم بي عندما ثبت لي أن الزنجي خدعني وباعني عوض الألماس زجاجا، والله أدرى بحالي ساعة هبطت من شاهق القصور ...
وبعد أن قمت بالمهمة التي كلفوني بها عدت عاجلا إلى مقري الأول في الترانسفال وعاودت أشغال الناظر في المناجم، وكم وكم وجب علي من الكد والسهر، وكم وكم تجشمت من الأخطار وركبت متون الأهوال حتى أحرزت هذا المال الذي لا أجد له قيمة غير أني أستخدمه لخير وطني وراحة قرينتي.
وكان الشابان لا تزال تحدثهما النفس في طلب الأخبار والاستفسار عن التفاصيل الكثيرة، ولكنهما أطاعا داعي الأدب، فأمسكا عن السؤال وشكرا لصاحب البيت ما لاقياه لديه من الحفاوة والإكرام، ثم استأذنا في الانصراف فشيعهما بكل لطف راجيا ألا يبخلا عليه بالزيادة لدى عودتهما من السفر.
وما خرجا وخلا لهما الجو إلا بادر أصغرهما وهو من الشعراء المجيدين فالتقط عن الأرض عودين صغيرين فأدبر عن رفيقه، ثم أقبل عليه وقد برز من كل من يديه طرف عود وقال: هيا احزر.
فقال رفيقه: أراك عجولا في الأمر. - لا بد من التعجيل، هيا احزر، فنعرف من منا يكون صاحب الحق بإيراد هذه الرواية.
فسحب رفيقه أحد العودين، فرمى الشاعر العود الثاني، وقال متنهدا: أنا الخاسر وأنت الرابح.
Halaman tidak diketahui