إمامه تأخُّرًا حقيقيًّا أو حكميًّا -كما ستفهمه- تنويهًا بشرف الإِمام، وتبيينًا لتفاوت المقام.
إذا تقرَّر ذلك، فاعلم أنَّ البيت الشريف زاده الله تشريفًا له أربع جهات متغايرة بالحس والاعتبار الشرعي، فإن اختلفت جهة المأموم والإِمام صحَّ اقتداؤه مطلقًا، وإن اتَّحدت جهتهما، فإن تأخَّر عن إمامه صحَّ اقتداؤه بلا كراهة ما لم يكن وحده بشرطه المعلوم، وإن حاذى إمامه صحَّ بلا كراهة ما لم يكن معه غيره بشروطه المعلومة، وإن تقدَّم على إمامه حقيقةً أو حكمًا لا يصح اقتداؤه (١).
فالتقدُّم الحقيقي هو: أن يكون ظهرهُ إلى وجه إمامه.
والتقدُّم الحكمي نظرًا إلى الصف المستقيم هو: أن يكون المقتدي بحال لو رسمنا خطًّا مستقيمًا من عَقِبه نجدُه متقدِّمًا على عقب الإِمام، أو قَدَمَهُ على الخلاف فيه، وبالنظر إلى الصف المستدير برسم دائرة متقدمة على دائرة الإِمام مع اتحاد قطبهما.
والتأخُّر الحكمي: أن يكون المأموم أقرب إلى البيت الشريف من إمامه في غير جهته، فهو وإن تقدَّم على إمامه صورةً فهو متأخِّر حكمًا.
والتأخر الحقيقي: هو أن يكون خلف الإِمام مطلقًا سواء كان في
_________
(١) قال المرغيناني في الهداية (١/ ٩٥): "وإذا صلَّى الإِمام في المسجد الحرام فتحلق الناس حول الكعبة، وصلّوا بصلاة الإِمام، فمن كان منهم أقرب إلى الكعبة من الإِمام جازت صلاته إذا لم يكن في جانب الإِمام؛ لأنَّ التقدُّم والتأخر إنما يظهر عند اتِّحاد الجانب".
1 / 19