وتكر الأيام، وتمر السنون!
وكلما لاحت للطرواديين غفلة من أعدائهم خرجوا إليهم وهم ألوف فنالوا منهم، حتى إذا كروا عليهم عادوا إلى معاقلهم فلاذوا بحصونها، واعتصموا بأبراجها، وتلبثوا هناك حتى تتاح لهم فرصة أخرى. •••
أعوام تسعة!
مليئة بالتعب، مشحونة بالنصب، مفعمة بالخطوب والأهوال.
وكان الهيلانيون يرسلون البعوث والسرايا، فتجوب الريف، وتئوب بالغنائم والفيء، والأسلاب والسبي، فيقتسمها القادة، ويفيضون منها على الجند.
وهاجموا مرة إحدى القرى، فكان من جملة السبي فتاتان ذواتا رقة وفتون. أما إحداهما فكانت من نصيب أجاممنون، واسمها خريسيز، وهي ابنة كاهن القرية الورع، حبيب أبوللو وخليله وصفيه، القديس خريسز. وكانت فتاة لعوبا حلوة الدل رشيقة الروح، وكان أبوها يحبها حبا جما لا تعدل بعضه كل مباهج الحياة!
أما الأخرى فقد خلصت لأخيل وأخلصت له الود، وصافاها هو المحبة، فكان أحدهما للآخر في هذه المحنة القاسية الصدر الحنون، والقلب النجي، والملاذ الأمين. اسمها بريسيز، وأبوها شريف من أشراف هذه الناحية التي نكبت بتلك الحرب الضروس، فصليت لظاها وطحنتها رحاها.
وعلم كاهن القرية بما كان من أمر ابنته فازدحمت على قلبه الهموم، وأحس في أعماقه بثقل البلية، وشعر كأنه جرد من كل شيء حتى من نفسه.
وبدا له أن يذهب إلى قائد الجند الهيلاني فيفتدي خريسيز، ولو نزل لأجاممنون عن كل ما يملك. وحذره صحبه من المخاطرة بنفسه في هذا الطريق الشائك، ولكنه لم يعرهم التفاتة واحدة، بل دهن نفسه بالطيب الكهنوتي المقدس، ولبس مسوحه، وعقد زناره، وتناول مسبحة أبوللو العظيم، ثم توكأ على عصاه العتيدة، وذهب يتهالك على نفسه، ويتعثر في خطاه حتى كان تلقاء المعسكر الضخم.
وسأل عن خيمة القائد العام، فقيل له إنها هي الفسطاط الأكبر الذي تبدو قبته هناك ... هناك عند شاطئ الهلسبنت، بين الجيش وبين الأسطول.
Halaman tidak diketahui