وكانت كاسندرا تنظر إلى المأساة وتبتسم.
وكانت أمها ترمقها بعينين دامعتين، وتسألها عن سبب ابتسامتها، فتفتر كاسندرا، وتقول: «أماه ليس حظ هؤلاء الغزاة المنتصرين بخير من حظ أبطالنا، ها أنا ذي أقرأ ألواح القضاء، انظري ... ها هو ذا مصرع أجاممنون بيد زوجته كليتمنسترا العاشقة ... إنها تفضل اليوم حضن عاشقها الآثم على جنة يكون فيها زوجها ... إنها ستقتله، ستذبحه بيديها ... حينما تطأ قدماه أرض الوطن!
وانظري يا أماه ... ها هو ذا أوليسيز تعصف به الريح، ويلعب به الموج، ويؤرجحه البحر اللجي، والعشاق يتقاتلون من حول زوجه ... وتليماك المسكين يضطرم غيرة ولا يستطيع أن يفعل شيئا ...
وانظري يا أماه ... ها هو ذا منلوس ... بائس ... كم أنت بائس يا منلوس، لقد ظن المسكين أن هيلين نقية كما هي ! لقد نسي الناعس أنها تقلبت في أحضان أزواج غيره! انظري إليه يقذفه البحر إلى شطآن مصر، وانظري إليه ذليلا بين يدي هيلين يتوسل إليها وكان أحرى لو أنه قتلها. •••
ونسي الهيلانيون في نشوة النصر أن يقربوا القرابين للآلهة التي نصرتهم وأيدتهم وأظفرتهم بأعدائهم؛ قبل أن يبحروا، فأثاروا غضب الأولمب، واستنزلوا لعنة السماء، واستحقوا حنق حيرا ونبتيون ومينرفا، ونقمة زيوس!
لقد ثارت ثائرة مينرفا، فانطلقت إلى أبيها وشكت إليه ما فرط هؤلاء الجاحدون في جنبها وجنب الآلهة، واتفق الجميع على أن يسخر نبتيون الجبار إله البحر أرياحه العاتية على أساطيلهم فتمزقها، وتضللها تضليلا.
فما كادت الأساطيل تمخر عباب الماء، وما كادت تبتعد عن شواطئ إليوم، حتى بدأت العاصفة تدوم، وحتى أخذت الأمواج ترسل أعرافها حول السفائن، وحتى نثر الثبج حبابه فوقها، وحتى ارتعدت فرائص القوم، ونظر بعضهم إلى بعض، كأنهم في يوم حشر، فهم لا ينبسون.
ولقد صدقت كاسندرا!
فها هي ذي الأساطيل الكثيفة تتمزق فوق سطح البحر، وها هي ذي جواري منلوس المنشآت تدفعها العاصفة في طريقها إلى ... مصر، وها هي ذي مراكب أجاممنون تنكسر على الصخور الناتئة في عرض اليم، وما يكاد يصل هو إلى مملكته أرحوس حتى تقتله زوجته العاشقة مؤثرة عليه أحضان عاشقها الأثيم إيجستوس، وها هي ذي سفين أوليسيز تضل في البحر الشاسع، وتتكسر بما عليها من سلب، ويظل البطل المغوار في نقلة وترحل ... عشر سنوات، وتظل زوجه بنلوب تنتظره، وعشاقها يقتتلون حول قصرها، وتليماك - ابنها البائس - ينتظر أوبة أبيه، حتى يعود بعد شدة وبعد أهوال، فيدمر العشاق الآثمين.
وهاك بيروس بن أخيل يعود ومعه أندروماك التي تظهر له الحب، عاملة بنصيحة هكيوبا لها، حتى تنشئ ابنها، وكانت تعتزم مضايقة بيروس ومناوأته ليقتلها، ولتستريح بالقتل من عذاب بالعيش بعد هكتور.
Halaman tidak diketahui