Kisah Falsafah Yunani
قصة الفلسفة اليونانية
Genre-genre
فلنتناول أساس النظام الأفلاطوني بالاختبار، فنرى إلى أي حد كانت نظرية المثل كفيلة بشرح العالم من ناحية، وشرح نفسها من جهة أخرى: (1)
هذا العالم الذي نعيش فيه ملئ بالأشياء المحسة كأنواع الحيوان والجماد، فما علاقة هذه الأشياء بأصل الكون، أي المثل؟ يقول أفلاطون: إن الأشياء صور للمثل أو حكايات لها، فمثال الإنسان مثلا نموذج يحتذيه أفراد الإنسان، ويحاولون تقليده ما استطاعوا، ولكن هذا القول لا يكاد يدل على شيء، فلماذا وجدت هذه الصور؟ وكيف نشأت؟ هذا ما نريد الجواب عنه؛ إذ لا بد أن يكون لوجود هذه الأشياء سبب، ولا بد أن يكون هذا السبب في طبيعة المثل نفسها لا خارجا عنها، أي إن فيها قوة باطنة تدفعها بالضرورة إلى تصوير نفسها في الأشياء؛ رغبة منها في تكرير صورتها، بهذا وحده يمكننا أن نعلل وجود الأشياء من المثل، ولكن أفلاطون لا يعترف بأن في المثل هذه الضرورة التي تميل بها إلى تكرير نفسها، فقد عرفها بأنها وحدها الحقيقة، وأنها أوجدت نفسها بنفسها، وأن وجودها لا يعتمد على شيء آخر، وأنها لا ينقصها شيء ولا تحتاج شيئا، فإذا كانت في هذه المرتبة من الكمال المطلق، فلا داعي لأن تسعى إلى تحقيق وجودها في الأشياء المحسوسة؛ لأن وجودها حقيقي لا يحتاج إلى إثبات أو تقرير، فلماذا جاوزت حدود نفسها إلى المادة تطبع عليها صورها؟ لماذا لم تكتف بنفسها وهي الحقيقة الكاملة التي لا ينقصها شيء؟ إن رغبتها في تكرير نفسها شعور منها بنقص أرادت أن تكمله بهذه الأشياء التي طبعتها على غرارها، ففي الكون مثلا أشياء كثيرة بيضاء اللون، وبناء على نظرية المثل يكون وجود هذه الأشياء البيضاء مستمدا من مثال البياض، ولكن لماذا تحرك مثال البياض فأخرج هذه الأشياء البيضاء؟ فالمثال نفسه هو البياض الكامل، فكان من الطبيعي أن يكتفي بنفسه إلى الأبد دون أن تضطره حاجة إلى تقرير وجوده في هذه الأشياء البيضاء، وقل مثل هذا في كل شيء وفي كل مثال، إذن ليست المثل كافية لتعليل وجود هذا العالم المحسوس، وكأنما أدرك أفلاطون في مثله هذا القصور، فقال بفكرة الإله، وقال إنه وراء المثل والمادة معا، فهو يصوغ المادة على نموذج المثل، وبذلك تكون عالم الأشياء، وفي هذا دليل قاطع على أن المثل وحدها عاجزة عن التعليل، وإلا لوجب أن تعلل الأشياء بالمثل نفسها لا بشيء آخر وراءها، ولو قلنا إن الله اسم أطلقه أفلاطون على مثال الخير لنكفي أفلاطون مئونة هذا الإشكال، ظهرت لنا المشكلة عينها من جديد؛ لأننا لو عللنا وجود الأشياء بمثال الخير، قامت في وجهنا الاعتراضات نفسها؛ لأنه كبقية المثل ليس فيه ضرورة تحتم عليه تكرير صورته.
هذا ولو كانت المثل هي الحقيقة النهائية المجردة، لوجب أن يكون الوجود بأسره صادرا منها متفرعا عنها، لا يشذ عن شيء واحد، وأقل شذوذ كاف لهدم الفكرة من أساسها؛ إذ يكون دليلا على قصور هذه الفلسفة وعجزها عن تعليل العالم بكل ما فيه، ولكنا قد رأينا أفلاطون يقول بفكرة الإله باعتباره كائنا وراء المثل، وإذن فهو ليس فرعا منها ولا قائما على أساسها، وليته اقتصر على هذا، بل أدخل المادة أيضا، فقال: إن هناك المثل من ناحية، والمادة من ناحية أخرى، والله فوقهما يصور هذه على مثال تلك، ومعنى ذلك أن الله والمادة لم ينشآ من المثل، بل وجدا إلى جانبها منذ الأزل، ولا ينجي أفلاطون من هذا النقد قوله إن المادة قبل أن تصاغ على صور المثل وقبل أن تتخذ صفاتها كانت شبه عدم، فليسمها كيف شاء، فهي وجود قائم بذاته لا يعتمد في وجوده على شيء، ولا تقل في حقيقتها عن المثل نفسها، فشأنها شأنها من حيث الأزلية والقدم، لم يصدر أحدهما من الآخر، فكلاهما حقيقة مجردة، وإذن فنحن بصدد مذهب اثنيني ولا ريب، ولعل هذه الاثنينية قد نشأت من الفصل التام بين الحس والعقل، فقد فرق بينهما أفلاطون كأنهما جانبان لا تربط أحدهما بالآخر علاقة ما، فتعذر عليه بعدئذ أن يملأ هذه الهوة السحيقة التي أوجدها بنفسه بين العنصرين. (2)
هل يمكن المثل أن تعلل نفسها بنفسها؟ وبعبارة أخرى، إذا استعرضناها مثالا مثالا، فهل نجدها جميعا موجودة بالضرورة وأن العقل لا يمكن أن يتصور العالم بدونها؟ ولنستعرض أولا الإدراكات الكلية التي في أذهاننا فإنها - في رأي أفلاطون - كالمثل، فهل كل إدراك كلي في الذهن ضرورة لا يستقيم العقل بغيرها؟ فمثلا 2 + 2 = 4 ضرورة عقلية لا بد منها، فشيئان وشيئان يجب أن تساوي أربعة، فنحن إذا أقمنا الدليل على أن كل إدراك كلي له هذه الحقيقة الضرورية كانت الإدراكات الكلية لا تحتاج معقوليتها إلى سند، وتكون حقائقها ثابتة، والظن بإمكان عدم وجودها يكون تناقضا يهدم نفسه بنفسه، ولكنا لو نظرنا إلى إدراكاتنا الكلية لألفينا أغلبها من غير هذا النوع، خذ لذلك - مثلا - البياض، إنه حقيقة ولكنها ليست ضرورية، صحيح أن في العالم بياضا ولكنا نستطيع أن نتصور العالم بغيره، فإنكاره لا يؤدي إلى تناقض عقلي؛ إذ ليست هناك ضرورة تحتم وجوده، أي إنه ليس جزءا من نظام العقل كما هي الحال في 2 + 2 = 4، ولا يجوز فيها أن تقول لماذا وجدت هذه الحقيقة، فهي من تركيب العقل نفسه لا تستغني عنها إلا إذا استغنيت عن العقل.
إذا وضح ذلك ننتقل إلى عالم المثل فنجد أفلاطون يقول: إن أساس المثل كلها ومصدرها إنما هو مثال الخير، فلننظر هل هناك ضرورة تستلزم أن مثال الخير يجب أن يتضمن بقية المثل؟ فإن وجدنا الأمر كذلك كانت المثل ميسورة التعليل؛ لأنها تكون صادرة بالضرورة من مثالها الأعلى، ليس لها عن ذلك محيص، وبعبارة أخرى يجب أن نستنتج المثل كلها من مثال الخير، بحيث لو سلمنا بوجود مثال الخير لزم التسليم بوجود المثل الأخرى، فهل نستطيع أن نقول إن مثال الخير يستلزم حتما مثال البياض، فلا نذكر أحدهما إلا إذا ذكرنا الآخر؟ لا، حلل عنصر الخير كيف شئت فلن تجد فيه البياض، إذن لا يتضمن المثلان أحدهما الآخر، ويمكننا أن نفكر في مثال الخير دون أن يطوف بالعقل أدنى طائف للبياض، ولا غرابة في هذا، فمثال الخير لا يشتمل إلا على العنصر المشترك في المثل الأخرى، ولا تشترك هذه إلا في الكمال، فمثال البياض كامل في ذاته، ومثال الحصان كامل في ذاته وهكذا، فإذا كان مثال الخير يمثل البياض والحصان، فهو يمثل جانب الكمال من كل منهما، ويستبعد لون البياض نفسه والحصان نفسه، ويتضح من هذا أن المثل لا يستلزم بعضها بعضا بحكم الضرورة، وخلاصة القول أن المثل لا تستطيع أن تفسر نفسها بنفسها.
لم تثبت إذن فلسفة أفلاطون أمام هذا الاختبار، فلا هي فسرت لنا العالم، ولا هي فسرت لنا نفسها، فكان على تلميذه أرسطو أن يقوم هذا الاعوجاج، ويصلح هذا الخطأ الذي وقع فيه أستاذه، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير.
الفصل الحادي عشر
أرسطو (أرسططاليس)
Aristotle
أرسطو في شبابه. (1) حياته وكتبه
Halaman tidak diketahui