Kisah Falsafah Yunani
قصة الفلسفة اليونانية
Genre-genre
وهو يرى أن الفن إنما هو تقليد الطبيعة ومحاكاتها، فهو ليس إلا إبراز صورة للأشياء المحسوسة كما أن هذه الأشياء المحسوسة ليست إلا صورة للمثل، فالفن ليس إلا صورة لصورة ... فهو لم يلحظ ما للفن من خلق، ولم ير أن الفنان لا يقتصر على تقليد الطبيعة، بل يكملها ويسبغ عليها شيئا من شعوره وطموحه: لا، لم ير أفلاطون شيئا من هذا، بل رأى أن الفن نسخة من الأصل، وهذا الرأي معيب؛ لأنه يستلزم أن تكون الصورة الفوتوغرافية أكمل صورة لأنها أحكم تقليد.
يرى أفلاطون أن الفنان لا يستمد فنه من العقل والتفكير، بل يستمده من الوحي أو الإلهام، فهولا يصدر عنه التصوير الجميل بناء على قواعد قد وضعت، بل هو يعمل بما يلهم، ويسير على القواعد الفنية بلا شعور، ولم يقدر أفلاطون هذا الوحي أو الإلهام تقديرا كبيرا، بل رآه حقيرا وضيعا، وسماه الجنون السماوي، أما كونه سماويا فلأن الفنان يبرز إلى الوجود أشياء في منتهى الجمال، وأما أنه جنون فلأنه نفسه لا يعلم كيف صدرت عنه ولا لم صدرت، فالشاعر يجري على لسانه القول الحكيم والشعر الجميل وهو يشعر بذلك، ولكن لا يعلم كيف كان، فإلهام الفنان ليس في مستوى المعرفة العقلية، بل هو أحط منها، ومن ثم كان الفن أحط من الفلسفة.
وهكذا لم يقوم أفلاطون الفن ولا الفنان تقويما كبيرا، وكان للفن مقام أكبر في نظر أرسطو، مع أن أفلاطون فيلسوف وفنان، وكتابته الفلسفية آية من آيات الفن، وأرسطو لم يكن فنانا، بل فيلسوفا فقط، وكتابته علمية لا فن فيها، ومع هذا نظر إلى الفن بخير مما نظر إليه أفلاطون.
وما ذكرناه من رأي أفلاطون في الدولة والفن موجز أتم إيجاز، وسترى شيئا من تفصيل ذلك فيما سنعرضه من تلخيص كتابه «الجمهورية». (7) كتاب الجمهورية أو المدينة الفاضلة
كتاب الجمهورية هو أهم ما سطر أفلاطون من كتب، فهو بحث شامل لفروع متشعبة من آرائه، كأنما أراد به أن يكون ملخصا موجزا لفلسفته جميعا، ففيه مذهبه فيما وراء الطبيعة، وفي السياسة، وفي الدين، وفي الأخلاق، وفي علم النفس، وفي التربية، وفي الفن، وقد بسط فيه من موضوعات البحث ما يبدو لقارئ هذا العصر أنه جديد.
فكتاب الجمهورية في حقيقة الأمر صورة وافية لأمهات المسائل في الفلسفة، ولا غرابة، فهو صورة مصغرة لأفلاطون، ودراسة هذا الكتاب دراسة لرأي أفلاطون في المدينة الفاضلة، أو المدينة النموذجية، وهاك مجمل ما فيه:
عقد أفلاطون حوارا ، اتخذ له مكانا منزل رجل واسع الثراء أرستقراطي النسب، هو سيفالوس
Cephalus ، وجعل بين الحاضرين ثراسيماكوس السوفسطائي، وأستاذه سقراط، (ويلاحظ دائما أن أقوال سقراط إنما تعبر عن رأي أفلاطون) فألقى سقراط على سيفالوس الغني هذا السؤال: «ما هي في ظنك أعظم فائدة عادت عليك من ثروتك؟»
فأجابه سيفالوس: إنها مكنته من أن يكون جوادا كريما أمينا عادلا. فسأله سقراط في مكر وتهكم: وماذا تعني بالعدل؟ وهنا بدأ حوار فلسفي عميق حاد حول تعريف العدل، فليس أعسر من التعريف اختبارا لقوة الذكاء ووضوح التفكير، فلم يكن بد من أن يعترف سيفالوس بعد محاولة فاشلة بعجزه عن تعريف العدل، فأخذ سقراط يدور بالسؤال على الحاضرين واحدا فواحدا، وكلهم عاجز عن الأداء، فثارت ثورة الغضب في ثراسيماكوس وضاق صدره بإحراج سقراط له، فصاح في وجهه قائلا: «ما أشد غفلتك يا سقراط! ماذا تفيد من هزيمة محاوريك واحدا إثر واحد بهذا الأسلوب المعيب؟ إذا كنت تريد معنى العدل، فأسمعنا جوابك أنت قبل أن تتوجه بالسؤال، فذلك أفضل من أن تزهو بنفسك حين تفند أقوال الآخرين ... ما أكثر من يستطيع أن يوجه الأسئلة، ولكن ما أقل من يقوى على الجواب!»
فلم يعبأ سقراط بهذا القول، وأخذ يستفسر الحاضرين عن معنى العدل دون أن يدلي بإجابته، وما هي إلا لحظة قصيرة حتى كان دور ثراسيماكوس، فلم يتردد سقراط في أن يتوجه إليه بنفس السؤال: ما هو العدل؟ فأجاب وهو يتميز من الغيظ: «إذن أصغ إلى ما أقول: أنا أزعم أن القوة هي الحق، وأن العدل ما كان في صالح الأقوى، والقوانين وليدة الحكومات، تتغير بتغيرها، وسواء كانت ديمقراطية أم أرستقراطية أم أوتوقراطية، فهي تصوغ القوانين بما يتفق ومصالحها، وتلك القوانين التي وضعتها الحكومات طبقا لأغراضها تفرضها على الناس فرضا باعتبارها تمثل العدل، وعلى كل من خالفها يقع الجزاء؛ لأنه عندئذ يكون مخالفا للعدل، وليس أدل على صدق ما أقول مما يحدث في حالة الحكومة الأوتوقراطية، فهي تنتزع أملاك الناس بالقوة، والعجيب أن يقابل هؤلاء الناس هذا الاعتداء على أموالهم بالتمجيد، بدل أن يقولوا إنه سرقة وغش.»
Halaman tidak diketahui