Kisah Falsafah Yunani
قصة الفلسفة اليونانية
Genre-genre
موت سقراط. •••
بدأت الفلسفة منذ السوفسطائيين تتجه ببحثها نحو الإنسان، وانصرف سقراط يحاول معرفة حقيقته، وكان مكتوبا على معبد «دلفي» هذه الحكمة القديمة: «اعرف نفسك بنفسك.» فما أسرع ما اتخذها سقراط شعارا له وقاعدة لفلسفته، فليس سوى النفس الإنسانية جديرا بالبحث، ولا خير في معرفة تهمل الإنسان لتعنى بالطبيعة تلتمس أصلها وعلة ظواهرها، ولا قيمة لعلوم الرياضة والطبيعيات والفلك إذا قيست بمعرفة الإنسان، أو بعبارة أخرى بمعرفة الأخلاق؛ ولذلك تراه يقول عن نفسه إنه لم يغادر المدينة إلى الحقول والأشجار؛ لأن هذه لا تعلمه شيئا، وأسمى ما يريد أن يظفر به هو معرفة الأخلاق وحدها، ولما كانت الأخلاق لا تكون جديرة بهذا إلا إن كان لها مقياس ثابت لا يتبدل تبعا لأهواء الأشخاص حاول سقراط أن يقيم الدليل على بطلان ما ذهب إليه السوفسطائيون من أن الأخلاق اعتبارات شخصية، ولكن كان السوفسطائيون وضعوا مبدأ شاملا دعوا إليه، وهو أن الإنسان مقياس لكل شيء، فليس هو مقياسا للأخلاق وحدها بل لكل الحقائق؛ ولذا كان لزاما على سقراط أن يهدم هذا الرأي ليثبت الحقائق التي أنكر وجودها السوفسطائيون، ثم يفرع عن هذا ما كان يقصد إليه، وهو أن للأخلاق حقائق ثابتة تقاس بها أعمال الإنسان، فلنتناول بالشرح ما ارتآه سقراط في هذا الموضوع:
ذهب السوفسطائيون إلى أن الحواس هي وحدها السبيل إلى وصول المعلومات إلى الذهن، فالإدراك الحسي هو أساس المعلومات جميعا، ولما كان هذا الإدراك يختلف باختلاف الأشخاص، كانت المعلومات التي تجيء عن طريقه مختلفة كذلك، وإذن فلسنا نعرف من الحقيقة إلا هذه الصور المختلفة التي تقدمها إلينا الحواس، ولا يمكن التسليم بأن ثمت في الخارج حقائق للأشياء ثابتة مع تباين الأشخاص في إدراكها؛ لأنه حتى لو كان في الخارج تلك الحقائق الثابتة فلا سبيل إلى معرفتها ما دمنا نعتمد على الحواس وحدها، فكانت رسالة سقراط أن يبني تحصيل المعرفة على العقل لا على الحواس، وبذلك يثبت ما أنكره السوفسطائيون من وجود الحقائق الثابتة في الواقع الخارجي، ولشرح ذلك نقول:
إذا رأيت رجلا أو شجرة أو قلما، فإحساسك بهذا الشيء الذي تراه إدراك لجزئي واحد من الجزئيات، ولكن لديك إلى جانب هذه الأشياء الجزئية التي تحصلها حواسك مما تصادفه في العالم الخارجي مجموعة من الأفكار العامة تتعلق بالأنواع لا بالأشياء الجزئية ذاتها، وهذه الأفكار العامة لم تصل إليك من طريق الحواس، وإنما نبعت من عقلك ذاته، فأسماء الأنواع كالإنسان والشجرة والمنزل والحيوان لا نطلقها على جزئي واحد، بل على النوع كله، ونعني بها الصفات التي يشترك فيها كل أفراد النوع، ولا ندخل في حسابنا تلك الصفات التي تظهر في بعضها دون بعض، فالفكرة العامة عن الحصان ليس فيها صفة البياض؛ لأنه إن اتصف بعض الجياد بهذا اللون فبعضها الآخر ليس كذلك، ولكنها تتضمن مثلا صفة الصهيل؛ لأنها جميعا تشترك فيها، فهذا الجمع بين الصفات المشتركة في أفراد النوع وأبعاد الصفات العارضة، هو من عمل العقل لا الحواس، وهو ما نسميه إدراكا عقليا أو كليا، وهذه الإدراكات العقلية أو الكلية عند سقراط هي المعرفة؛ ولذلك لم يتردد في اعتبار العقل أداة تحصيل المعرفة دون الحواس، على خلاف ما رأى السوفسطائيون من أن المعرفة كلها لا تعدو الإدراكات الجزئية التي تصل إلى الذهن عن طريق الحواس.
وإذا كانت الحواس ومدركاتها تختلف باختلاف الأشخاص فليس العقل كذلك، إنما هو عام مشترك عند جميع الناس، وما دمنا قد سلمنا بأنه أداة المعرفة، فقد وصلنا إلى نتيجة خطيرة جدا تهدم تعاليم السوفسطائيين من أساسها، وهي أن الحقائق الخارجية ثابتة؛ لأن الناس جميعا يرونها بمنظار واحد، هو العقل، الذي لا يختلف إدراكه في شخص عن شخص آخر.
هذا الإدراك العقلي للأنواع هو في الواقع تعريفها، فإذا أردنا أن نعرف كلمة إنسان أدخلنا في التعريف الصفات التي يشترك فيها كل أفراد الإنسان دون الصفات العارضة الخاصة ببعض الأفراد، فلا يجوز مثلا أن نعرف الإنسان بأنه حيوان أبيض؛ لأن هذا اللون لا يشترك فيه الأفراد جميعا، ولا أن نقول هو حيوان متكلم بالعربية، لأن هذه اللغة خاصة بطائفة معينة، ولكنا لا نخطئ حين ندخل في التعريف صفة التفكير؛ لأنها عامة شاملة لجميع الأفراد، وليس للشواذ حساب في تكوين القاعدة، وإذا كانت طريقة تكوين التعريف هي نفس الطريقة التي تتبع في تكوين المدركات العقلية، أي جمع الصفات المشتركة وإسقاط الصفات الخاصة، فلا شك في أن التعاريف هي التعبير عن مدركاتنا العقلية، وما دام في مقدورنا أن نصوغ لكل نوع تعريفا جامعا لصفاته الجوهرية، أمكننا بذلك أن نحصل على مقاييس للحقائق الخارجية؛ لأننا لو عرفنا المثلث مثلا استطعنا أن نقارن كل شكل هندسي في الخارج بهذا التعريف لنحكم في يقين هل هو مثلث أم شكل آخر، وليس من حق الأشخاص أن يختلفوا في حقيقته، فيصر أحد على أنه مثلث بينما يؤكد الآخر أنه مربع، ما دام لديهم مقياس يرجعون إليه عند الخلاف، وإذن فنحن نستطيع أن نصوغ للفضيلة تعريفا يقوم على أساس إدراكنا العقلي لصفاتها المشتركة في كل الأعمال الفاضلة، وبذلك يكون لدينا معيار نقيس به أفعال الناس فنميز بين خيرها وشرها، ولا يجوز للسوفسطائيين بعدئذ أن يجاهروا برأيهم بأن ما أراه حقا هو حق لي، وما يطيب لي عمله فضيلة بالنسبة لي؛ لأننا ظفرنا بمقياس يقره العقل، وهو عنصر مشترك عند كل الأشخاص، يمكننا أن نرجع إليه فنحكم على العمل مستقلا عن نزوات الشخص وميوله.
تلك هي نظرية المعرفة التي أعلنها سقراط، والتي تقوم على أساس الإدراكات العقلية الحسية، فتوصلنا إلى حقائق الأشياء كما هي في الخارج مستقلة عن الإنسان، وأخذ سقراط يسأل بعد هذا: ما الفضيلة؟ ما الحكمة؟ ويحاول أن يصل إلى تعريف يعبر عن إدراك العقل لها، ليضع أساسا للأخلاق تنطبق عليه مدلولاتها الخارجية، سواء صادفت هوى من الشخص أم لم تصادف، وكان يلجأ في ذلك إلى طريقة «الاستقراء»، فيسوق أمثلة كثيرة للشيء الذي يريد أن يضع تعريفا له، ويستخلص الصفات المشتركة من تلك الأمثلة الجزئية، ثم يصوغها في تعريف، فإذا تم له ذلك أخذ يطبق تلك القاعدة الكلية على جزئيات جديدة ليرى مقدار انطباقها على القاعدة التي وصل إليها، فإن لم يجدها مطابقة لها تماما عاد إلى قاعدته يعدل فيها ويصحح حتى يكون التعريف جامعا مانعا.
ولم يقصد سقراط أن تكون نظرية المعرفة التي تقدم شرحها غرضا في ذاتها مقصودة لنفسها، إنما اتخذها وسيلة يستغلها في تطبيقها على الحياة العملية، وهذا شأن سقراط، لا يعنى بالنظريات إلا إن كانت تعينه على أغراض الحياة العملية، فلم يرد بمعرفة الإدراك العقلي للفضيلة - أعني تعريفها - إلا أن يتمكن من السلوك سلوكا فاضلا ينطبق على الفضيلة حسب ما أدركها العقل من صفاتها.
وهنا نصل إلى أساس النظرية الأخلاقية عند سقراط، وهي توحيد الفضيلة والمعرفة، فقد كان يعتقد اعتقادا راسخا أن الإنسان لا يستطيع أن يعمل الخير إلا إذا عرف ما هو الخير، وبعبارة أخرى إلا إذا عرف الإدراك العقلي للخير، فالعمل الأخلاقي مؤسس على المعرفة ويجب أن يصدر عنها، بل إن الفضيلة والعلم شيء واحد، فيستحيل أن تعرف الخير معرفة صحيحة ولا تعمله، كما يستحيل أن تعمل الخير ولا تعرفه، فيكفي في نظر سقراط أن يعلم الإنسان ما هي الفضيلة حتى يكون بمنجاة من فعل الرذيلة، وكل عمل شر إنما يصدر عن الجهل بالفضيلة؛ لأن الإنسان لا يسعه إذا عرف الخير أن يفعل شرا، وكل الناس ينشدون الفضيلة ولو أنهم يختلفون في معناها، يقول سقراط: «لا يمكن أن يتعمد إنسان الوقوع في الشر، وإذا ارتكبه فلأنه لا يعرف الإدراك العقلي للخير، ولما كان يجهل حقيقة الخير تراه يفعل الشر وهو يظن أنه العمل الصحيح.» وقال سقراط أيضا: «إذا تعمد الإنسان فعل الشر فهو خير من يفعله غير عامد.» لأن الأول فيه الشرط الأساسي لعمل الخير، وهو معرفة ما هو الخير، أما الثاني فلا خير فيه ما دامت تعوزه المعرفة نفسها.
والخلاصة أن سقراط قد ذهب إلى أنه «لا فضيلة إلا المعرفة (العلم)» واستنتج من هذه النظرية نتيجتين: (1)
Halaman tidak diketahui