Kisah Falsafah Moden
قصة الفلسفة الحديثة
Genre-genre
إذن فمتى ازداد قسط الإنسان من المعرفة ازداد الشقاء أيضا. وإن ذاكرة الإنسان التي يستعيد بها الماضي، وبعد نظره الذي يستطلع به المستقبل يضيفان كثيرا إلى بؤسه وألمه؛ لأن الشطر الأعظم مما تعاني الإنسانية من ألم، هو في استعراض الماضي أو في استطلاع المستقبل، أما الألم في حد ذاته فقصير. انظر مثلا كم يتألم الإنسان من فكرة الموت أكثر مما يؤلمه الموت نفسه. (5) والحياة شر؛ لأنها قتال لا ينقطع، فأينما توجهت ألفيت جهادا وقتالا ومنافسة، فكل نوع «يقاتل لينتزع ما يملكه الآخر من مادة ومكان وزمان.» «إن الهيدرا
Hydra
12
الصغيرة التي تتبرعم من أمها العجوز، وتفصل نفسها عنها؛ لتحارب وهي لا تزال متصلة بأمها، لكي تظفر بالفريسة التي تعرض أمامها، حتى إن الواحدة لتخطفها من فم الثانية. وإن النملة الأسترالية
Bull Dogant
لتضرب لنا أوضح مثل في هذا الباب؛ لأنها تنقسم نصفين، ثم تبدأ المعركة بين الرأس والذنب، فيعض الرأس بأسنانه الذنب، كما يلدغ الذنب الرأس؛ لكي يدافع عن نفسه دفاعا مجيدا، وقد تستغرق المعركة نصف ساعة حتى يموتا أو يطردهما النمل الآخر ... ويروي لنا
Vunghahn
أنه شهد في «جاوا» سهلا يمتد مدى البصر، تغطيه بأسره هياكل الموتى، حتى ظن أنه ميدان قتال، ولكنها لم تكن سوى هياكل سلاحف كبيرة ... قد خرجت هنالك من البحر لتضع بيضها، فهاجمتها الكلاب الوحشية التي تستطيع بقوة اتحادها أن ترقدها على ظهورها، ثم تنزع منها القشرة الصغيرة التي تغطي منها المعدة، ثم تلتهمها حية، ويغلب أن ينقض بعدئذ على هاتيك الكلاب نمر ... من أجل ذلك ولدت السلاحف ... وهكذا تفترس إرادة الحياة نفسها أينما ذهبت، ويكون غذاؤها في صور مختلفة، حتى يجيء في النهاية الجنس البشري الذي يتحكم في سائر الأجناس الأخرى فيحسب الطبيعة مصنعا أعد لنفسه هو، ومع هذا فحتى الجنس البشري ... يبدو فيه هذا النزاع بأجلى وضوح، هذا النزاع الذي يقع بين الإرادة وبين نفسها، فنرى «الإنسان ذئبا للإنسان».»
حقا إن صورة الحياة في مجموعها لتحوي من صنوف الألم ما يربو على طاقة العقل المتأمل، فلا يسع هذا العقل أن يلم بكل ما هنالك من الألم وصنوف العذاب، وإن الحياة لتعتمد على جهلنا بها بعض الجهل وعدم إمكاننا معرفتها حق المعرفة. «إننا لو عرضنا أمام نظر الإنسان ما تتعرض له حياته من الألم والبؤس المروع المتصل عرضا واضحا لامتلأ رعبا. ولو أخذنا المتفائل الراسخ في تفاؤله إلى المستشفيات وملاجئ المرضى وغرف العمليات الجراحية، ولو أخذناه إلى السجون وغرف التعذيب وأوكار العبيد، ولو أخذناه إلى ميادين القتال وأماكن الإعدام، ولو فتحنا له كل مكامن الشقاء المعتمة، حيث يختبئ الشقاء ويتستر لكي لا يرمقه النظر المستطلع البارد، ثم لو أجزنا له أن ينظر إلى السراديب التي يموت فيها الناس جوعا في
Ugolino ، لعلم هذا المتفائل طبيعة هذا العالم كما نعلمه، ذلك العالم الذي «ليس في الإمكان أبدع منه.» وإلا فمن أين جاء «دانتي» بمادة جحيمه، ألم يجئ بها من هذه الدنيا الواقعة؟ ومع ذلك فقد صور منها جحيما أكمل ما يكون الجحيم، ولكنه حين أراد من ناحية أخرى أن يصف الجنة وما فيها من نعيم، اصطدم بمشكلة لم يستطع أن يتغلب عليها؛ وذلك لأن عالمنا ليس فيه شيء على الإطلاق يصح أن يكون مادة لهذه الفردوس ... إن كل الملاحم التمثيلية لا يسعها إلا أن تصور عراكا وجهادا وقتلا من أجل السعادة، ولكنها لا تصور مطلقا السعادة الكاملة الباقية نفسها، إنها تقود أبطالها إلى آلاف المخاطر والمصاعب لكي يظفروا بما ينشدون، ثم هم لا يكادون يبلغون أهدافهم حتى تسرع القصة فتسدل الستار؛ لأنه لم يعد لها بعد ذلك شيء تعمله سوى أن الهدف المتلألئ الذي كان البطل يتوقع أن يظفر عنده بالسعادة ليس له فيه إلا الخيبة، وأنه لم يكن بعد بلوغه أحسن حالا منه قبل.»
Halaman tidak diketahui