Kisah Falsafah Moden
قصة الفلسفة الحديثة
Genre-genre
يقول «كانت» في هذا الكتاب عن الدين والعقل: إنه لا يجوز أن يقام الدين على أساس من العقل النظري، بل يجب أن يبنى على الأخلاق العملية، ومعنى ذلك أن أي كتاب من الكتب المقدسة، وكل ما ينزل به الوحي يجب أن يحكم عليه بما له من قيمة أخلاقية، ولا ينبغي أن يكون هو نفسه الحكم الذي يرجع إليه في صياغة قانون الأخلاق، أو بعبارة أخرى يجب أن تأتي الكتب المقدسة متمشية مع ما يمليه الشعور الأخلاقي المفطور في الإنسان، وليس هذا الشعور هو الذي يتغير تبعا لما ينزل به الكتاب المقدس، وإن قيمة الكنائس والمعتقدات هي بمقدار ما تعاون الجنس البشري على الرقي الخلقي. أما إذا انقلب الدين إلى طائفة من العقائد والطقوس الشكلية، ثم وضعت هذه العقائد والطقوس في منزلة أرفع من الشعور الأخلاقي، وكانت هي المقياس الذي يقاس به الدين قبل أن يقاس بالأخلاق، فقل على الدين السلام ... إن الكنيسة الحقيقية هي جماعة من الناس - مهما تقسموا شيعا وأحزابا - اتفقوا جميعا على اتباع قانون الأخلاق المشترك بين الناس، ولقد عاش المسيح ومات ليؤسس جماعة كهذه، فكانت تلك الجماعة هي الكنيسة الحقيقية التي أسسها لينقض بها شكلية العبادة اليهودية، ولكن نشأت بيننا كنيسة أخرى كادت تطغى على تلك الفكرة النبيلة: «لقد قرب المسيح ما بين مملكة الله والأرض، ولكنا أخطأنا في فهمه فاستبدلنا بمملكة الله مملكة القديسين!»
لقد عادت الطقوس والعقائد الشكلية فحلت محل الحياة الخيرة الفاضلة، وبدل أن يرتبط الناس بعضهم ببعض برباط الدين انقسموا ألف مذهب، وأخذوا يلقون في النفوس ضروبا من الورع الكاذب، وحسبوا أن الإنسان لا يسترضي رب السماء إلا بهذا الرياء، كأنما الله حاكم من حكام الأرض هذا، وإن المعجزة لا يمكن أن تؤيد الدين، ولا خير في دين يريد أن يعطل قوانين الطبيعة التي تدل على صحتها التجارب كلها. ولعل أنكب الكوارث التي تحل بالناس أن تصبح الكنيسة أداة طيعة في يد حكومة سيئة، وأن يصير رجال الدين - الذين من واجبهم أن يخففوا ويلات الإنسانية وكروبها بالإيمان والأمل والإحسان - أدوات لظلم سياسي.
لقد كان «كانت» في نشر تلك الآراء جريئا شديد الجرأة؛ لأن هذه الحالة التي يصفها هي ما كانت عليه بروسيا وقتئذ، إذ اعتلى العرش فردريك وليام الثاني خلفا لفردريك الأكبر الذي مات سنة 1786م، وكان الملك الجديد رجعيا جامدا لم يستمرئ حرية الرأي التي شجعها سلفه العظيم، فأقال «زدلتز
Zedlitz » وزير المعارف؛ لأنه كان مشير فردريك الأكبر في «فلنر
Wöllner »، فكان هذا الوزير الديني أطوع للملك الجديد من بنانه، واستعمل كل ما أوتي من قوة لطمس معالم الحرية الفكرية التي أخذت تنتشر في بروسيا، وصمم أن يعيد التقاليد الدينية الرجعية إلى السيادة والنفوذ، فأصدر في سنة 1788م قانونا يحرم على أية مدرسة أو جامعة أن تعلم ما لا يتفق مع تلك التقاليد الدينية، وأنشأ رقابة شديدة على كل ضروب النشر، وأمر بطرد كل مدرس يتهم بالزندقة ... أما «كانت» فقد ترك أول الأمر دون أن تصيبه تلك الحكومة الرجعية بأذى؛ لأنه - كما قال عنه رجل من رجال البلاط الملكي عندئذ - شيخ عجوز، لا يقرؤه إلا قليل من الناس، وهؤلاء القليلون لا يفهمون ما يقرءون. ولكن لما أصدر «كانت» كتابه عن الدين - وكان سهل الأسلوب يسير الفهم - لم يفلت من يد الرقابة، فأمرت المطبعة التي تعهدت بنشر الكتاب ألا تقوم بطبعه.
وهنا ثارت ثائرة «كانت»، واشتعل نشاطا - وهو ذلك الكهل الذي كاد يبلغ السبعين من عمره - فأرسل الكتاب إلى بعض أصدقائه في «يينا»، حيث نشرته مطبعة الجامعة هناك، وكانت «يينا» خارج حدود بروسيا، تحت ولاية الدوق «فيمار» الذي عرف بآرائه الحرة، والذي كان عندئذ يتعهد الشاعر الفيلسوف «جوته»، فلما علمت الحكومة البروسية بطبع الكتاب أرسل الملك إلى «كانت» هذه الرسالة الآتية:
إن ذاتنا السامية قد ساءها إساءة عظيمة أن تلاحظ أنك تسيء استعمال فلسفتك، فتزعزع وتحطم كثيرا من أهم آراء الكتاب المقدس والديانة المسيحية، فنحن نأمرك بشرح موقفك على الفور شرحا دقيقا، وإن لم تمتنع في المستقبل عن مثل هذا الإيذاء، بل إن لم تستخدم مواهبك وعلمك فيما يتفق مع واجبك، حتى يتيسر لنا القيام بواجبنا الأبدي - أقول لو استمررت في معارضة هذا الأمر - فلتتوقع من العواقب ما لا يرضي.
فأجاب «كانت» بأنه يجب أن يكون لكل عالم الحق في تكوين أحكامه في الأمور الدينية، وأن تكون له الحرية في إذاعة آرائه في الناس، ولكنه يعد في جوابه هذا أن يظل صامتا إبان حكم هذا الملك، وقد نحا بعض المؤرخين باللائمة على «كانت» لهذا الإذعان، ولكنا يجب أن نتذكر أن فيلسوفنا كان قد بلغ سن السبعين، وأنه عسير على تلك الشيخوخة المتهدمة أن تنازل وتناضل، هذا فضلا عن أنه قد رضي لنفسه بالصمت بعد أن بلغ للعالم رسالته. (5) في السياسة والسلام الدائم
كان هينا على الحكومة البروسية أن تتسامح مع «كانت» فيما أذاعه من آراء في الدين على ما جاء فيه من زندقة، ولكنه لم يكن من الهين أن تعفو عنه، وقد اتهم إلى جانب زندقته الدينية بالزندقة السياسية أيضا، فالثورة الفرنسية كانت قد صاحت صيحتها الكبرى التي زلزلت قوائم العروش في أوربا بعد أن اعتلى فردريك وليام الثاني أريكة الملك في بروسيا بثلاث سنين، فتسابق أساتذة الجامعات في بروسيا إلى التقرب إلى الملك بأبحاثهم التي تؤيد الملكية الشرعية، ما عدا «كانت»، فقد قابل أنباء الثورة بالبشر والارتياح رغم تقدمه في السن. وقد قال مرة لأصدقائه وعيناه دامعتان: «أستطيع الآن أن أقول ما قاله «سيمون
Simon »: يا إلهي! اسمح لعبدك الآن أن يرحل بسلام؛ لأني رأيت بعيني عفوك عن عبيدك.»
Halaman tidak diketahui