Kisah Falsafah Moden
قصة الفلسفة الحديثة
Genre-genre
وقد جاءت هذه البراهين التي أقامها ديكارت على وجود الله في عصر ساد فيه الشك، وتزعزعت العقيدة الدينية في النفوس، فكانت خير باعث لهم على الإيمان.
وقد نقد «ديكارت» كثيرون منهم «جاسندي»
Gassendi ، فقد أنكر إمكان معرفة شيء عن الكائن اللانهائي، وهو يرى أن فكرتنا عنه ناقصة محدودة، وعلى ذلك تكون براهين ديكارت التي بناها على وجود فكرة اللانهائي قائمة على أساس متصدع. فأجاب ديكارت بأنه كما أن الرجل الساذج الذي لا دراية له بعلم الهندسة يكون له إلمام بفكرة المثلث بصفة عامة، وإن لم يعرف من قوانينه شيئا، فكذلك نحن نفهم اللامتناهي بوجه عام، وإن كنا لا نعرفه معرفة تفصيلية شاملة. (3)
إثبات وجود الكون:
لقد رأينا فيما سبق كيف أثبت ديكارت وجود ذاته، ثم رأينا كيف استنتج من وجود نفسه وجود الله - الله اللانهائي الذي لا تحده الحدود، والذي هو سبب نفسه وخالق كل شيء، وذلك يتضمن أنه مطلق القوة، منزه عن النقص، متصف بكل ضروب الكمال؛ لأنه قادر على أن يخلع على نفسه الكمال، وبديهي أنه يريد الكمال ما دام قادرا على بلوغه. وليس يعنينا من كمالاته الآن إلا صفة الصدق. وما دام الله صادقا يستحيل عليه أن يكون سببا في تضليل الإنسان وخداعه بأن يهبه عقلا مضللا يؤدي إلى الخطأ والزلل. فالصدق الإلهي كفيل لنا خير كفيل أن يكون العقل الذي وهبنا إياه أداة قويمة صالحة، وأن يكون كل ما يفهمه العقل فهما جليا واضحا حقا لا ريب فيه. وإذن فقد بات يسيرا علينا أن نقيم الدليل على وجود العالم الخارجي، فقد كنا شككنا في وجوده لجواز أن تكون عقولنا خادعة تصور لنا الباطل حقا. أما وقد أقمنا الدليل على وجود الله، وأثبتنا له جميع صفات الكمال ومن بينها الصدق، فيجب ألا يعترينا الشك في وجود الكائنات الخارجية، إذ لو كانت وهما لترتب على ذلك أن يكون الله خادعا؛ لأنه هو الذي أمدنا بتلك العقول الخادعة.
بدأ «ديكارت» بتكذيب عقله في كل ما يجيء به، وانتهى بتصديق عقله في كل ما يصل إليه، على شرط أن تكون الفكرة التي يصل إليها العقل جلية واضحة. وهنا هاجمه النقاد هجوما عنيفا. فقالوا: إن النتيجة التي وصل إليها «ديكارت» معناها أنه يستحيل علينا الخطأ ما دام العقل صادقا في كل ما يقول، فأجابهم «ديكارت» بأن الخطأ لا ينشأ من نقص في العقل، بل من محاولة الإنسان أن يبرهن على صحة ما لم يتضح له وضوحا كافيا، وإذن فالإنسان مسئول عن خطئه، وغلطه ناشئ من خداع نفسه لنفسه. وكذلك توجه إليه النقاد بمأخذ آخر، فزعموا أنه يدور في تدليله في حلقة مفرغة فينتهي من حيث بدأ؛ لأنه قال بادئ ذي بدء إن كل حقيقة تبلغ من اليقين مبلغ «أنا موجود» - أي تعرف بالبداهة - تكون صدقا لا يجوز فيها الشك، وعلى هذا رتب وجود الله، ثم استنتج من وجود الله وكماله أن كل ما يراه العقل في وضوح البداهة يكون حقا. وأنت ترى من ذلك أن المقدمة التي استنتج منها وجود الله هي بعينها النتيجة التي استخرجها من وجود الله. وعن ذلك أجاب ديكارت بأن هنالك فرقا في نوعي التفكير في كلتا الحالتين، فقد كان العقل في الخطوة الأولى يعتمد على قضية بديهية بداهة مباشرة تفرض نفسها من غير تفكير فيها. وأما في الخطوة الأخيرة، فإن العقل يعتمد في استنتاجه على التدليل؛ إذ أمكنه أن يبرهن على السبب الذي من أجله صار العقل أساسا يركن إليه. (4)
ثنائية الوجود:
لقد انتهى بنا ديكارت إلى إثبات وجود الكون، ولكن مم يتألف هذا الكون؟ أهو عنصر واحد على الرغم من تعدد ظواهره وتباين ما فيه من أشياء؟ أم أن فيه من العناصر الأساسية آلافا عدة؟ يجيب «ديكارت» إن كل ما نرى في الكون يرجع إلى عنصرين، فهو إما مادي صفته الأساسية ملء حيز من المكان. وإما عقلي صفته الأساسية الشعور والإدراك. وهكذا ينحل الوجود في رأي «ديكارت» إلى عنصرين أساسيين، هما المادة والعقل، أو إن شئت فقل هما الجسم والروح، أما الأول فصفته المميزة له هي الامتداد، وأما الثاني فصفته الجوهرية هي الفكر.
ومعنى ذلك أن كل ما تصادف في تجاربك من أشياء مادية مكون من عنصر بعينه مهما اختلف شكله ومظهره، فجسم الإنسان والزهرة والماء والهواء والصخر، وما شئت من أجسام كلها متألف من عنصر معين لا يختلف في هذا عنه في ذاك، وكل ما في الكون من عقول، (أو أرواح) متشابه أيضا، أعني أنها جميعا عنصر واحد انبث هنا وهناك ... هذا وإن كل الأجسام تتصف بصفة واحدة مشتركة بينها جميعا هي الامتداد، فإن اختلف بعضها عن بعض، فإنما يختلف في الأغراض الزائلة، كالشكل والحجم والوضع والحركة، وكلها كما تلاحظ أعراض للصفة الرئيسية - صفة المكانية أو الامتداد.
وكذلك كل العقول الفردية تتفق في الصفة الجوهرية وهي الشعور، فإن اختلفت وتباينت فما ذاك إلا في أعراض هذه الصفة الأساسية المشتركة، كاختلافها في الأفكار والأحكام والأعمال الإرادية.
Halaman tidak diketahui