وكان أليكسي يعلم أن والده إذا قطع عهدا أو قال قولا لا يرجع عنه، فذهب إلى غرفته وجعل يفكر بحكم السلطة الوالدية الجائرة، وبليزا وبوعيد والده بتركه فقيرا مسكينا لا يملك ما يسد به رمقه، ثم بأكولينا التي رأى لأول مرة أنه يحبها حبا يشبه العبادة، وقد خطر له خاطر غرامي وهو أن يتزوج بالقروية الساذجة ويعيش من عرق جبينه وكد يمينه، ووجد في هذه الفكرة بعد التروي خير حل لموقفه الحرج.
وكانت المقابلات بينه وبين أكولينا في الغابة توقفت بسبب الأمطار، فكتب إلى أكولينا رسالة بخط واضح جلي كبير الحروف أخبرها به عما ينتظره من الهلاك والوبال، وطلب يدها في ختام الرسالة وحملها بنفسه إلى جوف السنديانة، ونام بعد ذلك نوما عميقا.
وفي اليوم التالي استيقظ مبكرا وهو ثابت على عزمه وعزم على السفر إلى منزل مورومسكي ليفاوضه بالأمر بإيضاح وصراحة، ورجا أنه يستفز فيه شهامته ويستميله إلى مساعدته، ولما وقف بجواده أمام باب منزل مورومسكي سأل عن وجوده.
فأجابه الخادم: إنه سافر في الصباح؛ فأسف الفتى لذلك، وسأل الخادم: وهل كريمته ليزا موجودة؟ - نعم يا سيدي، إن حضرتها في المنزل.
فترجل أليكسي عن جواده ودفع مقوده للخادم ودخل المنزل بدون أن يعلم عن قدومه ، وقال وهو سائر إلى غرفة الاستقبال: سيتم كل شيء على ما أريد، فإني سأتفاهم مع ليزا بدون وساطة أحد، دخل وجثم مكانه لا يبدي حراكا، بل قل: إنه ذهل ولم يصدق ما ترى عيناه ... رأى ليزا، وقال: كلا هذه أكولينا! لم يرها في الجلباب الفضفاض بل برداء الصباح جالسة بجوار النافذة تقرأ رسالته، وكانت مشغولة بقراءتها لدرجة أنها لم تلحظ ولم تشعر بدخوله عليها، ولم يستطع أليكسي أن يضبط نفسه عن صراخ الفرح؛ فانتفضت ليزا كعصفور بلله القطر، ورفعت رأسها وصرخت وحاولت الفرار فهجم عليها وأمسك بها، وقال: أكولينا، أكولينا! ولكن ليزا حاولت التخلص منه، وقالت له بالفرنسية: اتركني يا سيد وشأني، وكررت عبارتها مرارا، فصاح أليكسي: أكولينا! أكولينا، كرر ذلك وهو يقبل يديها، شاهدت المس جاكسون هذا الدور ولم تدر ما تقول أو ما تظن، وفي هذه اللحظة فتح الباب ودخل غريغوري إيفانوفيتش والد ليزا، وقال: يظهر أن الأمر بينكما قد تم على ما يرام فليكن كذلك.
وإني أرجو القارئ الكريم أن ينقذني ويعفيني من واجب الإسهاب في وصف النتيجة، فقد يستطيع كل قارئ أن يدركها ويتلذذ بها ويشاطر العروسين وآلهما في أفراحهم وارتياحهم لتلك النتيجة المفاجئة.
أحد ملوك الجمهورية
للكاتب الروسي المتفنن مكسيم غوركي
إن ملوك الحديد والفولاذ والبترول في الولايات المتحدة كانوا دائما أبدا يشغلون أفكاري؛ لأنني كنت واثقا تمام الوثوق بأن أصحاب الملايين من الدنانير لا يمكن أن يماثلوا البشر، بل إنهم من فصيلة خاصة.
كنت أتصور أن لكل واحد منهم على الأقل ثلاث معد، وفي فم كل منهم مائة وخمسون سنا، وكنت أعتقد أن صاحب المليون لا عمل له في كل يوم غير الأكل حيث ينهض من النوم عند الساعة السادسة صباحا ويسرع حالا لالتهام الطعام حتى الساعة الثانية عشرة مساء دون أن يتخلل ذلك شيء من الراحة، وأنه يستعمل في طعامه أفخر المأكولات كالأوز والديوك الرومية والخنانيص والخراف الصغيرة والدجاج وسائر أنواع الحلوى وأفخر الفواكه وأغلاها ثمنا، وإذا جاء المساء وكل فكاه عن مضغ الطعام يأمر الزنوج فيمضغونه له ويضعونه في فمه فيزدرده ازدرادا، وبعد حشو معده بالطعام يفقد النشاط والحركة، ويأخذ العرق يتصبب من جسمه فيحمله الزنوج إلى سريره حيث ينام نوما ثقيلا، حتى إذا وافت الساعة السادسة من صباح اليوم التالي ينهض ويعود إلى ما كان عليه بالأمس من التهام الطعام، وعلى هذا المثال يقضي حياته التعيسة.
Halaman tidak diketahui