قلت لك أنه زميلي في الكلية وندرس ذات التخصص، لم أقل؟
اعذرني إذن، إن قوة الذاكرة ليست من أفضل صفاتي.
كنت متهربا من المحاضرة كعادتي، وبينما راحت جحافل الطلاب تدلف للقاعة، انسللت أنا خارجا في موسم هجرة عكسية، جلست جوار «أم محمد» ست الشاي أشرب القهوة وأتسلى بالنظر إلى مفاتن الطالبات العابرات، التي تتضخم على نحو سحري عاما بعد عام، وهي عادة ظللت أحافظ عليها طوال السنتين الأخيرتين بانتظام وتصميم يثيران الحسد.
سمعت صوت نحنحة جواري فالتفت، لم يكن هناك أحد، رأيت فتاة جميلة تعبر أمامي، ابتسمت لها على سبيل التزلف وجس النبض، فحدجتني بنظرة كارهة من طراز: لا تحاول!
هكذا رحت أتظاهر بالانهماك في استخراج شيء ما سقط في كوب الشاي ، هربا من نظرات «أم محمد» الساخرة. - «مهند!»
هتف الصوت بجواري مجددا فأجفلت، كان «عثمان» جالسا إلى جانبي بشكل لصيق حتى كاد يسقط في حجري. - «من، من أنت؟» - «عثمان.» - «عثمان من؟» - «زميلك في الكلية، إننا ندرس ذات التخصص، لقد كنت أجلس بجوارك طيلة السنوات الثلاث الماضية.» - «ومنذ متى تجلس هنا.» - «ساعة تقريبا، لقد جئنا معا، لقد جلبت لك الشاي بنفسي!»
كانت المرة الأولى التي أراه فيها، وقد شعرت بالحرج من عدم معرفتي له، فتحججت بشيء ما عن المشاغل وانشغال البال، وأشياء من هذا القبيل، نظر لي في خطورة وهو يميل ناحيتي حتى شعرت بلفح أنفاسه على وجهي، وهمس في أذني: «هل يمكنني أن ائتمنك على سر؟»
شعرت بالضيق من تبسطه الشديد واقتحامه مساحتي الآمنة، قلت وأنا أبعد وجهي عنه قليلا: «تفضل.» - «ليس هنا، المكان ليس آمن بما يكفي، قابلني عند قاعات قسم الهندسة بعد ربع ساعة.»
قالها وهو يتلفت حوله في حذر، ثم انصرف.
جلست أشرب الشاي وأفكر في هذا الشخص الغريب الذي لم أعرفه إلا قبل خمس دقائق، ثم قرر أن ينفتح لي فجأة، ظللت أفكر مترددا بين الذهاب أو نسيان كل شيء عنه.
Halaman tidak diketahui