Qawaid al-Ahkam fi Masalih al-Anam
قواعد الأحكام في مصالح الأنام
Penerbit
مكتبة الكليات الأزهرية
Lokasi Penerbit
القاهرة
Genre-genre
Usul Fiqh
عَنْ الْإِخْلَاصِ لَمْ يَزْدَدْ الْعَامِلُونَ إلَّا ظُلْمَةً فِي الْقُلُوبِ، لِأَنَّهُمْ عَاصُونَ بِتَرْكِ الْإِخْلَاصِ وَإِبْطَالِ مَا أَفْسَدَهُ الرِّيَاءُ وَالتَّصَنُّعُ مِنْ الْأَعْمَالِ.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلَوْ أَنَّ الرَّبَّ ﷾ عَرَّفَ عِبَادَهُ نَفْسَهُ وَأَوْصَافَهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ لَهَامُوا فِي جَلَالِهِ وَتَحَيَّرُوا فِي كَمَالِهِ، لَكِنَّهُ كَشَفَ الْحِجَابَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّعَدَاءِ وَسَدَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَشْقِيَاءِ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ كَشْفَ حِجَابٍ سَدَلَهُ اللَّهُ وَلَا حِفْظَ مَا ضَيَّعَهُ اللَّهُ وَأَهْمَلَهُ، جَرَتْ الْمَقَادِيرُ مِنْ الْأَزَلِ وَاسْتَمَرَّتْ فِي الْأَبَدِ وَجَفَّتْ الْأَقْلَامُ بِمَا قُضِيَ عَلَى الْأَنَامِ؛ فَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ وَلَا يَتَأَخَّرُ إلَّا بِمَقَادِيرَ سَابِقَةٍ وَكِتَابَةٍ لَاحِقَةٍ. فَلَوْ تَهَيَّأَتْ أَسْبَابُ السَّعَادَةِ كُلُّهَا لِلْأَشْقِيَاءِ لَمَا سَعِدُوا، وَلَوْ تَهَيَّأَتْ أَسْبَابُ الشَّقَاوَةِ كُلُّهَا لِلسُّعَدَاءِ لَمَا شَقُوا: ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ﴾ [الرعد: ١١]، ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾ [يونس: ١٠٧] .
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا رُتِّبَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ]
فِي بَيَانِ مَا رُتِّبَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ
الطَّاعَاتُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَا هُوَ مَصْلَحَةٌ فِي الْآخِرَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالنُّسُكِ وَالِاعْتِكَافِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا هُوَ مَصْلَحَةٌ فِي الْآخِرَةِ لِبَاذِلِهِ وَفِي الدُّنْيَا لِآخِذِيهِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَالضَّحَايَا وَالْهَدَايَا وَالْأَوْقَافِ وَالصَّلَاةِ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الطَّاعَاتِ وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي الْمُخَالَفَاتِ؛ وَلِذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالْحَثِّ عَلَى الطَّاعَاتِ دَقِّهَا وَجُلِّهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا، وَالزَّجْرِ عَنْ الْمُخَالَفَاتِ دَقِّهَا وَجُلِّهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا، فَأَمَّا الْحَثُّ عَلَى الطَّاعَاتِ فَبِمَدْحِهَا وَبِمَدْحِ فَاعِلِيهَا، وَبِمَا وُعِدُوا عَلَيْهَا مِنْ الرِّضَا وَالْمَثُوبَاتِ، وَبِمَا رُتِّبَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ الْكِفَايَةِ وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّأَهُّلِ لِلشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالْوِلَايَةِ.
وَأَمَّا الزَّجْرُ عَنْ الْمُخَالَفَاتِ فَبِذَمِّهَا وَذَمِّ فَاعِلِيهَا، وَبِمَا وُعِدُوا
1 / 20