146

Qawaid al-Ahkam fi Masalih al-Anam

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Penerbit

مكتبة الكليات الأزهرية

Lokasi Penerbit

القاهرة

Genre-genre

Fikah
Kaedah Fiqh
مَعْصِيَتَيْنِ قَبِيحَتَيْنِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ آثِمٌ إثْمَ التَّسْمِيعِ وَحْدَهُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «الْمُتَسَمِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطِ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» .
وَكَذَلِكَ لَوْ رَاءَى بِعِبَادَاتٍ ثُمَّ سَمَّعَ مُوهِمًا لِإِخْلَاصِهَا فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِالتَّسْمِيعِ وَالرِّيَاءِ جَمِيعًا. وَإِثْمُ هَذَا أَشَدُّ إثْمًا مِنْ الْكَاذِبِ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ مَا سَمَّعَ بِهِ، لِأَنَّ هَذَا أَثِمَ بِرِيَائِهِ وَتَسْمِيعِهِ وَكَذِبِهِ ثَلَاثَةَ آثَامٍ. وَمَنْ أَمِنَ الرِّيَاءَ لِقُوَّةٍ فِي دِينِهِ فَأَخْبَرَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ لِيَقْتَدِيَ النَّاسُ بِهِ، كَانَ لَهُ أَجْرُ طَاعَتِهِ الَّتِي سَمَّعَ بِهَا وَأَجْرُ تَسَبُّبِهِ إلَى الِاقْتِدَاءِ فِي تِلْكَ الطَّاعَاتِ الَّتِي سَمَّعَ بِهَا عَلَى اخْتِلَافِ رُتَبِهَا
[فَائِدَةٌ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ وَطَاعَتُهَا مَصُونَةٌ مِنْ الرِّيَاءِ]
(فَائِدَةٌ) أَعْمَالُ الْقُلُوبِ وَطَاعَتُهَا مَصُونَةٌ مِنْ الرِّيَاءِ، إذْ لَا رِيَاءَ إلَّا بِأَفْعَالٍ ظَاهِرَةٍ تُرَى أَوْ تُسْمَعْ. وَالتَّسْمِيعُ عَامٌّ لِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ.
وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ لَا يَظْهَرُ غَالِبًا بِالرِّيَاءِ وَالتَّسْمِيعِ، لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَوِزْرُهُ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ شَرَفِ الْمُرَائِي بِهِ فَأَشْرَفُ مَا يُرَائِي بِهِ أَشَدُّ وِزْرًا مِمَّا دُونَهُ، فَإِنَّ الرِّيَاءَ مَفْسَدَةٌ وَإِفْسَادُ الْأَشْرَفِ أَقْبَحُ مِنْ إفْسَادِ الشَّرِيفِ. وَلَيْسَ حُبُّ الرِّيَاءِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي مَعْصِيَةً، فَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الرِّيَاءِ كَانَ ذَلِكَ مَجَازًا مِنْ تَسْمِيَةِ السَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبِّبِ، وَكُلُّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَأْثَمُ مُشْتَهَيْهِ بِشَهْوَتِهِ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ بِعَزْمِهِ عَلَيْهِ وَإِرَادَتِهِ، ثُمَّ بِمُلَابَسَتِهِ. وَكُلُّ مَا تَكْرَهُهُ الطِّبَاعُ، وَتَنْفِرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ وَالْأَسْمَاعُ، مِنْ الْخُيُورِ وَالشُّرُورِ فَلَا إثْمَ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ وَلَا النُّفُورِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى فِعْلِهِ إنْ كَانَ قَبِيحًا أَوْ تَرْكِهِ إنْ كَانَ حَسَنًا. فَشَهْوَةُ الرِّيَاءِ وَالشُّكْرِ، وَقَهْرِ الْأَقْرَانِ وَإِضْرَارِ الْأَعْدَاءِ لَا إثْمَ فِيهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ قُدْرَةِ الْمُكَلَّفِ، وَلِتَعَذُّرِ الِانْفِكَاكِ مِنْهَا وَالِانْفِصَالِ عَنْهَا، وَمَنْ اسْتَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ الْمَحْبُوبَاتِ فِي غَيْرِ بَابِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَزَلَّ. وَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُجَاهِدَ طَبْعَهُ وَيُخَالِفَ فِيمَا يَدْعُو إلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ

1 / 148