8
كان اليوم عيد الفطر، وقد خرج الناس بعد صلاة العيد من الجامع مثنى مثنى وثلاث ثلاث، وجماعات مؤتلفة، يحيي بعضهم بعضا، ويسأل بعضهم عن بعض، قد تخففوا من أعباء الحياة فما يذكرونها، وإن وجوههم لتطفح بشرا ومسرة ...
وكان في الميدان فارس على سرجه قد غدا على طائفة من الجند يعرضهم صفوفا على الأهبة مستكملين عدتهم، ما فيهم إلا فتى قد باع نفسه وأقسم ليبلغن في طاعة مولاه إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة.
وترجل الفارس عن فرسه وأقبل على اثنين من قواده يسر إليهما حديثا، ثم راح يتخلل صفوف الجند راجلا، فدار بينها دورة وقصد إلى فرسه يهم أن يعتليها، حين أقبل نحوه رجل من عرض الطريق، فوقف الفارس وأسند يده إلى معرفة فرسه وعلى شفتيه ابتسامة، ودنا منه الرجل فحيا وسلم ثم قال: «كأنك يا أبا العباس قد نسيت أن اليوم عيد، فهلا ذكرت - حين نسيت نفسك - أن عليك لهؤلاء الجند حقا أن تسرحهم يوما يستطعمون طعم الحياة كما يحياها الناس؟»
قال أبو العباس: «لا تزال تهزل يا يحيى والدنيا تجد ... أرأيت العدو الرابض على حدود الدولة يغفل لو غفلنا عنه يوما، ولو كان يوم عيد؟»
قال يحيى: «نعم، رأيت في النجوم ...»
58
قال أبو العباس عابسا: «خسئت، دع عنك حديث النجوم وما تكذب به من ذلك على الناس لتخدعهم عن ذات أنفسهم، فوالله لئن صار الأمر إلي يوما لأقطعن ألسنة المنجمين، فلا يكونون فتنة للعامة، ومعجزة للخاصة.»
قال ضاحكا: «وتقطع لساني، فيقول الناس كان أول ما فعل أبو العباس حين ولي الأمر أن قطع لسان نديمه وصاحبه يحيى بن علي!»
قال أبو العباس، وقد غلبته ابتسامته: «وأقطع لسانك.»
Halaman tidak diketahui