فأجابت بالإيجاب وهي تضحك، فوثب كالجواد إلى المائدة، ثم عاد بزجاجة مملوءة حتى النصف. وكأسين، وجلس وهو يقول: «لنشرب معا!» الشرهة اللذيذة تنفث عيناها شيطنة وسحرا، سلها عن الحجرة الثالثة ... سل نفسك: ليلة أم معاشرة؟ ... وعن العواقب لا تسل، أحمد عبد الجواد بجلالة قدره يفتح ذراعيه لزنوبة العوادة، بصحاف الفاكهة كانت تقف بين يديك ... لكن لتحل بك السعادة جزاء نضارتك، أما الكبر فلم يكن أبدا من شيمي ... رأى كفها القابضة على الكأس قريبة من ركبته، فمد راحته وربت عليها بلطف، ولكنها سحبتها في صمت إلى حجرها دون أن تلتفت إليه، فساءل نفسه ترى هل يحلو التدلل في هذا الوقت المتأخر، خاصة إذا كان الداعي مثله، وكانت المدعوة مثلها؟ غير أنه لم يحد عن سنن الملاينة والملاطفة، فسألها بلهجة ذات معنى: أليس ثمة حجرة ثالثة في العوامة؟
قالت تجيب على ظاهر السؤال متجاهلة مغزاه وهي تشير صوب باب الدهليز: في الناحية الأخرى.
تساءل وهو يفتل شاربه مبتسما: أليست تسع كلينا؟
فقالت بصوت لا أثر للدلال فيه، وإن لم يجاوز حدود الأدب: تسعك وحدك إن طاب لك النوم.
فسألها كالداهش: وأنت؟
فقالت بنفس اللهجة: مستريحة كما أنا.
تزحزح قليلا مقتربا منها، ولكنها قامت فوضعت كأسها على المائدة، ثم مضت إلى الكنبة المقابلة له، فجلست راسمة على وجهها صورة الجد والاحتجاج الصامت، حتى عجب الرجل لشأنها فباخ حماسه ووجد وخزة في كبريائه، ثم جعل ينظر إليها وعلى شفتيه ابتسامة متكلفة حتى سألها: ماذا أغضبك؟
فلازمت الصمت مليا، ثم شبكت ذراعيها على صدرها. - إني أتساءل عما أغضبك؟
قالت باقتضاب: لا تسل عما تعلم.
ضحك فجأة ضحكة عالية معلنا بها عن استهانته وعدم تصديقه، وقام بدوره فملأ الكأسين، ثم قدم لها كأسا، وهو يقول: روقي مزاجك.
Halaman tidak diketahui