178

Istana Rindu

قصر الشوق

Genre-genre

قال إسماعيل لطيف وهو يتظاهر الاستهانة وإن نمت حركات الاستهانة نفسها عن مباهاة: أتيح لي أكثر من مرة أن أجلس مع أصدقاء أبي من أمثال سليم بك والد حسن وشداد بك، أؤكد لك أنك لن تجد لديهم ما يستحق هذا الاهتمام.

من أين جاء الفارق إذن بين ابن المستشار وابن التاجر؟ كيف كان جل حظ أحدهما أن يعبد المعبود على حين يتزوج الآخر منه؟ أليس هذا الزواج آية على أن هؤلاء القوم من طينة غير طينة البشر؟ لكنك لا تدري كيف يتكلم أبوك بين أصحابه وأقرانه. - على أي حال سليم بك ليس من العظماء الذين أعني.

ابتسم إسماعيل لهذه الملاحظة الأخيرة دون أن يعلق عليها. هذه الضحكات تجيء من الداخل مفعمة بالغبطة، وأخرى تهبط من الشرفة العليا معبقة بشذا الأنوثة الساحر، وبين هذه وتلك تجاوب كالذي بين أنغام الآلات المترامية من بعيد تستقبلها الأذن وحدة حينا، وطاقة من ألحان شتى حينا آخر، ثم تكون كلها - الضحكات والأنغام - إطارا ورديا يبدو فيه القلب الحزين المترع بالوحشة كبطاقة سوداء في طاقة ورد.

وما لبث حسين شداد أن جاء متهللا بقامته الفارعة ووجهه المتألق يختال في الردنجوت. فتح ذراعيه عندما اقترب ففعل كمال مثله وتعانقا بحرارة، ثم لحق به حسن سليم في بزته الرسمية، جميلا في كبريائه الطبيعي الملفوف في مظهره المؤدب المهذب وإن بدا إلى جانب حسين قصيرا صغيرا، فتصافحا أيضا بحرارة، وهنأه كمال من أعماق لسانه. وقال إسماعيل لطيف بصراحته المعهودة التي لا تكاد في أغلب الأحيان تتميز من المكر السيئ: كمال آسف لأنه لم تتح له مجالسة ثروت باشا وصحبه.

فقال حسن سليم بمرح غريب أطاح بتحفظه المعهود: فلينتظر حتى يسجل مؤلفاته المنتظرة، وعندها يجد نفسه واحدا منهم.

أما حسين شداد فقال محتجا: أهاوي تزمت أنت؟ إنما أريد أن تمر الليلة كلها ونحن مستمتعون بحريتنا الكاملة.

وقبل أن يجلس حسين استأذن حسن سليم منصرفا؛ إذ كان في الواقع كالفراشة لا يستقر بموضع، ومد حسين ساقه أمامه، وراح يقول: غدا يسافرون إلى بروكسل، سبقاني إلى أوروبا، ولكن بقائي هنا لن يطول، وغدا تكون ملهاتي التنقل ما بين باريس وبروكسل.

وتنتقل أنت ما بين النحاسين والغورية، بلا حبيب ولا صديق، هذا جزاء من يتطلع إلى السماء، ستردد بصرك بين أركان المدينة حائرا، ولن تبرأ عيناك من لوعة الشوق، املأ رئتيك من هذا الهواء الذي تعبقه أنفاسها، غدا سوف ترثى لنفسك. - يخيل إلي أنني سألحق بك يوما.

تساءل حسين وإسماعيل معا: كيف؟

لتكن كذبتك ضخمة كألمك. - ثمة اتفاق بيني وبين أبي على أن أسافر في بعثة على حسابي الخاص بعد إتمام دراستي.

Halaman tidak diketahui