ذهب من توه إلى الإخوان، فوجد محمد عفت، وعلي عبد الرحيم، وإبراهيم الفار، وآخرين. شرب حتى سكر كعادته وتعدى عادته، وضحك كثيرا، وأضحك كثيرا، ثم مضى في الهزيع الأخير من الليل إلى بيته فنام نوما عميقا. واستقبل مع الصباح يوما هادئا، خلا في أوله من الفكر، وكان كلما نزع به الخيال إلى منظر من مناظر حياته القريبة أو الماضية صده بعزم، اللهم إلا منظرا واحدا رحب باستعادته عن طيب خاطر، ذلك هو المنظر الأخير الذي سجل انتصاره على المرأة وعلى نفسه معا، وراح يؤكد الأمر لنفسه فيقول: «انتهى كل شيء والحمد لله، ولأكونن شديد الحذر فيما يقبل من أيام حياتي.»
بدا اليوم هادئا في مطلعه، فاستطاع أن يفكر في فوزه المبين، وأن يهنئ نفسه عليه، ولكن انقلب اليوم بعد ذلك خاملا بل خامدا، فلم يجد من تفسير لذلك إلا أنه رد الفعل للجهد العصبي المضني الذي بذله في اليومين الماضيين، بل في الأشهر الماضية على تفاوت في الدرجة؛ إذ الحق أن معاشرته لزنوبة بدت لعينيه في تلك اللحظة مأساة خاسرة من أولها لآخرها. لم يكن من الهين عليه أن يسلم بأول هزيمة تلحقه في حياته الغرامية الطويلة، كان لذلك رجع شديد الأثر في قلبه وخياله، وكان يثور كلما همس له عقله بأن الشباب قد ولى، معتزا بقوته وجماله وحيويته، ثم يصر على ذلك التعليل الذي جاهر به المرأة أمس وهو أنها لم تحبه؛ لأن القذر لا يقدر إلا القذر! لشد ما تشوق طوال يومه إلى مجلس الإخوان، فلما دنا موعده نفد صبره فمضى متعجلا إلى بيت محمد عفت بالجمالية، فاجتمع به قبل أن يتوافد الإخوان، وسرعان ما قال له: انتهيت منها.
فتساءل محمد عفت: زنوبة؟
فأومأ بالإيجاب، فتساءل الآخر باسما: بهذه السرعة؟
ضحك كالساخر، ثم قال: هل تصدقني إذا قلت: إنها طالبتني بالزواج حتى ضقت بها؟
فضحك كالساخر، ثم قال: زبيدة نفسها لم تفكر في ذلك، يا للعجب! لكنها معذورة، فقد وجدتك تدللها أكثر مما تحلم به فطمعت في المزيد.
فغمغم السيد أحمد قائلا باستهانة: مجنونة.
فضحك محمد عفت مرة أخرى، وقال: لعلها تهالكت في حبك؟
يا لها من طعنة! اضحك بقدر ما تجد من ألم. - قلت: إنها مجنونة وكفى. - وماذا فعلت؟ - صارحتها بأنني ذاهب إلى غير رجعة، وذهبت. - كيف تلقت ذلك؟ - سبت مرة، وهددت أخرى، وقالت: في داهية ثالثة، ثم تركتها كالمجنونة، كانت غلطة من بادئ الأمر.
قال محمد عفت وهو يهز رأسه مقتنعا: نعم، ما منا إلا من ضاجعها، ولكن أحدا لم يفكر حتى في مجرد معاشرتها.
Halaman tidak diketahui