ماذا هو قائل لسهير في لقائهما الأول، إنه لا يفكر فيما هو فاعل، لأن أمه منعته أن يفعل شيئا في ليلته الأولى، فشأن العروس في الليلة الأولى أن تكون مضطربة، ويجب على العريس أن يطمئن روعها ليلة أو أكثر من ليلة، حتى يزول عنها الروع ويهدأ المضطرب.
فماذا هو قائل إذن؟ لو أنه كان مثل وصفي لفتح للحديث أبوابا، أما وهو لا يستطيع حديثا فماذا يفعل؟! آه لقد تذكر، ألم يكن يحكي على صديقاته في أوروبا ما يجعلهن يضحكن حتى تسيل الدموع من عيونهن، أو لم يكن أترابه وأصدقاؤه هناك يضحكون منه هم أيضا؟ نعم إنه لم يجد بمصر منذ عاد من يضحك من حديثه، إلا أن هذا لن يقف به عن المحاولة، فإن عروسه مثقفة، ولا بد أنها ستضحك كما كان أصحابه يضحكون، لقد هداه الله إلى الحل، وإنه لمتبعه فبالغ ما أراد لنفسه أن يبلغ في ليلته.
وراح سليمان يعيد على ذهنه ما كان يحكيه بأوروبا لأصدقائه، منصرفا عن الفرح إلى تلك الأيام المزدهرة في حياته، والمدعوون في شغل عنه إلى الغناء وإلى أصدقائهم، لا يحفل واحد منهم شأن سليمان؛ فلم يكن ذا شأن بينهم أو بين غيرهم، فهو من أولئك الذين إذا حضروا أو غابوا لم تحس حضورهم أو غيابهم، وقد كان في هذه اللحظة حاضرا غائبا، يفكر ويبتسم ويفرح، لقد هدي إلى الحل، ووفق إلى السبيل!
وكانت سهير في الطابق الأعلى، يعينها على ستر ما بنفسها من ألم وحسرة الخجل الذي تتشح به العروس في ليلة زفافها، فهي صامتة عن ألم، وتظن المدعوات أنها صامتة من خجل، والله يعلم، والباشا وأمها، على أي لاعج من أسى ينطبق صمتها.
وانتهى الفرح، وخلا العروس إلى عروسه، ولم يجد سليمان من كل ما كان يعده في رأسه إلا: مساء الخير.
ونظرت إليه سهير، إنه في القرب أبشع منه في البعد، وجاهدت نفسها أن تجيب، فلم تستطع، فأشاحت متخذة من خجل العروس وقاء لها من الإجابة.
وتمطى سليمان وألقى نفسه إلى كرسي وهو يقول: متعب الفرح.
وسخرت سهير في نفسها من كلمة الفرح، وظلت في صمتها. - أليس عجيبا أن تكوني ابنة عمي ولا أراك إلا الليلة؟ عادات سخيفة! عندنا في أوروبا كان النساء يقابلن الرجال حتى الأغراب، تصوري!
عندنا في أوروبا؟ لا، لا أطيق، أيجمع إلى قبح المنظر، وصفاقة الوجه، ثقل الدم أيضا؟ لا، لا يا رب، لم أقدر لنفسي كل هذا العقاب، النجاة يا رب النجاة! عندنا في أوروبا؟ ويقول تصوري؟ أنا متصورة! أنا عارفة، فلا حاجة بي إلى التصور، الشيء الوحيد الذي لا أتصوره هو أنت يا زوجي، يا شريك حياتي، يا مستقبلي كله، يا بقية عمري، وأخشى والله أن تكون بقية العمر طويلة. - كان النساء يجلسن معي، وهن لا يعرفنني، وكنا نتكلم ونتبادل الأحاديث.
ثم يضحك سليمان في غرور شائه ثقيل. - كن يعجبن بي إعجابا كبيرا.
Halaman tidak diketahui