Abad Kesembilan Belas
القرن العشرون
Genre-genre
ثم يعرض للشخصية الفردية فيقول: «إنه من اللازم أن يحمى الفرد من طغيان الجماعة كما يحمى من المخاوف التي تساوره في قرارة وجدانه، وهما ضرران بينهما من الارتباط أشد مما يخطر للكثيرين، إذ يغلب على طغيان الجماعة أن يكون وليد الوساوس والخوف.»
قال: «وينبغي اجتناب القسر في التنسيق، والتوحيد بين الشخصيات الفردية مما يحق للمجتمعات المصنعة أن تخشاه، ويجب عليها أن تتقيه بما استطاعت من تدبير، ولا بد من فسح المجال للأفذاذ الموهوبين كالشعراء والفنانين الذين لا يظفرون بالتأييد من أصحاب التقاليد.»
واختتم فصوله قائلا: «إن الإنسان في أدهاره الطويلة منذ هبط إلى الأرض من أغصان الشجر، قد تقحم الفجاج المرهوبة وتركها وهي محفوفة بعظام الهالكين ممن سلكوها قبله، يداخله جنون الجوع والضنك، والفزع من الضواري، والرهبة من الأعداء، أعداء من الأحياء ومن الأشباح التي تساوره وتتعمق في وجدانه بما تغلغل فيه من الأوجال والأوهام، وبعد لأي جاوز الصحراء إلى الأرض الباسمة، ولكن بعد أن نسي كيف يبتسم، وأصبحنا نرتاب ولا نصدق بالصباح البهيج والنهار المنير، نحسبه من الوهم الكاذب ونتشبث بالخرافة البالية والأسطورة الكامنة التي تملي لنا في حياة الخوف والكراهية، ولا سيما كراهية ذواتنا، والنظر إلى أنفسنا كأننا بقية من المذنبين الخطاة، تلك حماقة، فما يحتاج الإنسان اليوم لخلاص نفسه إلا أن يفتح قلبه لفرح الحياة، ويدع الخوف يتسرب في ظلمات الغابر المهجور.» •••
وقد استوفى الأستاذ هانس كون بحث الموضوع من ناحيته التاريخية السياسية، فاستهل كتابه عن القرن العشرين بتفصيل أطوار الأمم التي سلفت منذ ثلاثة قرون، وكان لها أثرها في ظهور القومية والعنصرية، وحركات الاستعمار، ومذاهب الحكم المطلق، ومعارك الطبقات، وسائر هذه الأطوار التي تعد من بعض وجوهها حواجز بين الأمم، وتعد من حيث النظر إلى نتائجها مقدمات لا بد منها لتطور العلاقات بين الأمم من العزلة إلى العالمية، وانتهى به المطاف إلى تلخيص المعقبات التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية، فقال في الفصل الرابع عشر من الكتاب: «إن هذه الحرب قد جددت للديمقراطية قوتها الحيوية، وإنه لا خطر على الأمم التي تدين بها من طغيان مذاهب الاستبداد على أنواعها، وإن حماية الأمم الديمقراطية لا تتم بإعداد السلاح وحده؛ لأن سلاح التفكير لازم لها لزوم العدة العسكرية، وقد تعلم الأمريكيون في العشرين سنة الأخيرة أن يحرروا أنفسهم من العزلة المريحة، وفهموا أن حدودهم لا تنتهي عند شواطئ بلادهم، وأن ذلك لا يعني أن تفرض الدولة مشيئتها على الأمم؛ لأن عبرة الماضي القريب قد أبرزت خطر هذه السيادة على سلام العالم وعلى الدولة التي تحاولها.» قال: «إن الأمريكيين حريون أن يعلموا أن الحضارات المنوعة والتقاليد المتعددة تعيش معا في هذا العالم، وأن ثروة التنوع أهم عناصر التاريخ والتقدم، ومن المستحيل في دور الانتقال أن يتطور العالم على نظام واحد، وفي هذه المرحلة من التاريخ لا يتأتى الاتفاق التام بين أجزاء العالم، ولا يقتضي ذلك حتما وقوع القتال، وعلى الأمم الغربية أن تعيش خلال هذه الفترة دون اتفاق ودون حرب جنبا لجنب مع الأمم الشيوعية، وهو أمر يتطلب القوة والصبر وبعد النظر، ولكنه لا يعوض بالحلول السريعة، ولا بالطريق المقتضب، ولا بالترياق السريع.»
الفصل الخامس
إلى مليون سنة
توفرت المباحث التي لخصناها من قبل على بيان «حالة العالم» عند نهاية القرن العشرين، وفيما يليه من زمن قريب، وأحجم الباحثون عمدا عن الخوض فيما وراء ذلك ذهابا مع الزمن المتطاول؛ إيثارا منهم للوقوف عند حدود الإحصاء، وما هو أشبه به من ضروب التقدير، ولم يجدوا في التقديرات المحسوبة معينا لهم على تقدير المصير «الإنساني» الذي يتصل بنفس الإنسان أو طبيعة الإنسان.
تلك هي حالة العالم في شئون المعيشة، وفي موارد الصناعة والطبيعة، تلك هي معيشة الإنسان بعد مائة سنة؟ فكيف يكون الإنسان نفسه في تلك الحقبة؟ كيف يكون الإنسان روحا وخلقا وضميرا في ذلك العالم الموعود؟ إن صحت جميع المواعيد؟
وكيف يكون بعد السنين المائة وبعد القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين؟ كيف يكون بعد خمسة قرون وبعد عشرة قرون؟ وبعد الدهر الطويل الذي يحسب بآلاف السنين.
إن هذه الأسئلة لم تترك بغير جواب يفهم من خلال السطور، وإن لم يرد لها جواب مقصود على سؤال مذكور، ومن الباحثين العلميين من أطلق فكره من قيود الإحجام العلمي، وجازف بالنبوءة وراء القرون إلى الدهور، ونظر إلى الإنسان كما سوف يكون بعد مليون سنة، فإذا هو ينطلق من إحجامه في عداد السنين، ويكاد يتعثر في القيود كلما زحف زحفة واحدة في تلك الآماد الطوال، فلم يكن في حسابه أن مليون سنة قد تنفسح يوما من الأيام لطارئ غير مألوف من طوارئ الغيب، أو تسمح بشيء من التغيير يخالف التغيير الذي سمح به للأعوام التي تعد بالألوف أو بالمئات. •••
Halaman tidak diketahui