Abad Kesembilan Belas
القرن العشرون
Genre-genre
وليس أوسع من آفاق التعليم وأغراضه عند الكلام على أثره في حاضر العالم ومستقبله، ومن هذه الآفاق الواسعة أفق التعليم فيما يحدثه الآن، وما يحدثه غدا من الأثر السريع في تكوين المجتمع وتأليف طبقاته وهيئاته التي تتولى شئون معيشته ومعاملاته، وهو ذلك التكوين الذي يرتبط بكل مصير قريب نتصوره لسياسة الأمم في داخلها، وسياسة الأمم المشتركة بينها. ومن أهم البحوث التي اطلعنا عليها أخيرا بحث للخبير الاقتصادي الأمريكي الأستاذ بيتر دراكر
Druker
عن تكوين الكثرة الاجتماعية من أصحاب المرتبات، ونتائج هذا التكوين فيما يتعلق بمذاهب الاجتماع، وأطوار الشعوب وخطط السياسة الكبرى. وقد افتتح الأستاذ بحثه مشيرا إلى الزيادة المطردة منذ سنوات ثلاث في عدد أبناء الطبقة المكونة من ذوي المهن الصناعية والفنية والإدارية بين سكان الولايات المتحدة، وقال: «إنه يعني بها الطبقة التي تجملها كلمة الطبقة الوسطى من أصحاب المرتبات.» ثم قال:
منذ ثلاث عشرة سنة - يوم خرجنا من الحرب العالمية الثانية - كان عمال الصناعة لا يزالون أكبر طائفة من طوائف المجتمع الأمريكي، ينتمي إليها واحد من كل أربعة في المجتمع، وكان ذلك ختام فترة بدأت منذ مطلع القرن التاسع عشر حين نشأت عندنا معامل المصنوعات، أما الآن فواحد من كل خمسة ينتمي إلى طائفة أصحاب المرتبات المختصين بالفن والإدارة، ويقرب عددهم من ثلاثة عشر مليونا.
إلى أن قال:
وفي سنة 1975 أي بعد سبع عشرة سنة فحسب نترقب أن يبلغ نتاجنا الصناعي ضعفي نتاجنا في الوقت الحاضر ، وأن يزداد عدد الصناع بيننا بمقدار الثلث، ولكن الطائفة التي تعلو نسبة زيادتها على نسبة الصناع، ونسبة السكان جميعا هي الطبقة الوسطى من أصحاب المرتبات، ومتى تمت دراسة الصبية والبنات الذين يدخلون المدارس الآن، ومضت سبع عشرة سنة، تضاعف عدد أبناء هذه الطبقة ضعفين، ووجب أن تكون نسبتهم نحو الخمسين من جملة القوى الصناعية.
ثم لاحظ الأستاذ دراكر ظواهر الزيادة في أنواع المصنوعات التي صاحبت نمو هذه الطبقة، فقال: إنها تتمثل على الخصوص في زيادة المطبوع والمتداول من الكتب الشعبية، وإن أثر هذه الطبقة ينجلي شيئا فشيئا في ثقافة الأمة، وسياستها وقيمها وعلاقاتها الاجتماعية، إلى أن قال بعد الإشارة إلى نظريات كارل ماركس: «إنه قد مضى عليها الآن قرن من الزمان، وأنها كانت تقوم على نظرة جريئة تنبئ عن ظهور الصانع، وعامل المكنة قوة نامية محركة في المجتمع، ومضت بعد ذلك خمس وسبعون سنة كان الصناع وعمال المكنات فيها حقا أكثر الطوائف نموا، وإن لم يبلغوا قط نصاب الكثرة في مجتمع من المجتمعات الصناعية، غير أنهم كانوا على حدة أكثر الطوائف عددا في كل مجتمع منها، مما أكسب الماركسية قوتها ونفاذها باعتبارها عقيدة وفلسفة على الرغم من مواطن ضعفها، واليوم - في الولايات المتحدة وغيرها - تنجم طبقة جديدة، وتسرع في نموها الذي يجعلها أكبر طائفة مستقلة بين مختلف الطوائف، وهؤلاء هم الفنيون أصحاب المرتبات الذين لا هم بأصحاب رءوس الأموال ولا بالصعاليك، ولا هم بالمستغلين ولا بالمستغلين.» •••
وفي بحث آخر يجمل الأستاذ دراكر إحصاءات التعليم بالنسبة إلى هذه الطبقة، فينقل عن إحصاءات مكتب العمل أن حملة الشهادات العليا أصبحوا في السنة الماضية - 1957 - هم الكثرة الغالبة بين المشتغلين بالصناعة في الولايات المتحدة، قال: «إنني لما بدأت العمل منذ نحو ثلاثين سنة كان التعليم الثانوي هو الندرة المستثناة، وكنت أنا يومئذ منفردا وحدي بإتمام هذا التعليم بين الكتبة الشبان في مكتب من مكاتب التصدير، ولم يكن رؤسائي يكتمون عني أن هذا التعليم كان عقبة - لا عدة صالحة - في سبيل الأعمال التجارية، وكان الذهاب إلى الجامعة في ذلك الحين مقصورا على القلة النادرة جدا بين المتعلمين، ولعلها كانت أكثر يومئذ من مثيلاتها في بلاد أوروبا الغربية.» •••
والنتيجة الطبيعية لتعميم التعليم الصناعي على هذه السعة، وبهذه السرعة أن تصبح الكفاءة البدنية أقل الكفاءات المطلوبة لتدبير لوازم المجتمع، وتنظيم معاملاته وعلاقاته، وأن تتوزع الأعمال بين كفاءات كثيرة: فكرية، ونفسية، وذوقية، لا يتأتى حصرها في طائفة واحدة، ولا يتأتي - من ثم - أن تطغى على المجتمع لتسليط مشيئتها عليه دون أن يلحقها شيء من الضرر الذي يلحق سائر الطوائف، وقد يأتي اليوم الذي تناط فيه الجهود الإنسانية بالأعمال التي يغنى فيها الإنسان على تفاوت ملكاته، ولا تؤديها الآلات مستقلة بها أو بإشراف من يديرها، فلا يتولى الفنيون عملا تقوم به المكنات في الوقت الحاضر والمكنات التي تترقى وتبلغ غايتها من الدقة بافتنان المخترعين والمقترحين من نوابغ الفكر والصناعة في المستقبل. وبعض هذه المكنات يقال عنه اليوم: إنه «يفكر» على سبيل المجاز، ويجري العمل فيه على نسق يشبه عمل الدماغ الإنساني في تلقي الإشارة، ونقل التنبيهات، وتنفيذ المقترحات، وكلما استدقت معارف العلماء بالكهربية الدماغية، وروقبت حركات الدماغ أثناء انفعالاته وتوجيهاته لحركات الأعضاء تبين الفارق بين عمله العقلي الخاص بالإنسان وعمله الجسدي من قبيل رد الفعل الذي تستطاع محاكاته في المكنات، وسيكشف الغد عن حدود هذه المكنات في أداء الأعمال التي لم توكل قبل الآن لغير الإنسان العاقل، فليس من المنتظر أن تجمع المكنة بين وظائف الأمر والتنفيذ، ووظائف الابتكار والتقليد، ولكنها ستؤدي - ولا شك - كثيرا من المساعدات الفكرية التي تستنفد الآن جهود الملايين من حذاق المتعلمين.
يقول الدكتور جورج تومسون
Halaman tidak diketahui