Inggeris dan Terusan Suez: 1854-1951
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Genre-genre
ولقد بررت الدولة العثمانية مسلكها هذا لدى الدولتين الكبيرتين بأن الملاحة الأوربية محرمة في البحر الأحمر، فضروري للدولة العثمانية احترام مركزها بين المسلمين، ولا يكون ذلك إلا بالمحافظة على حرمة الأماكن المقدسة الإسلامية من أن ترسوا على شواطئها سفن مسيحية أوربية.
والدولة العثمانية، وإن كانت ضعيفة من الوجهة الحربية، ولكن ساستها برعوا حقيقة في فن السياسة، فكان لهم من بعد النظر السياسي والمهارة في الانتفاع بما بين الدول من أحقاد ومنافسة ما مكنهم من المحافظة على الدولة وسط التيارات الدولية العنيفة، وكان هؤلاء الساسة يخشون أن يعمل إحياء طريق مصر على زيادة موارد بكوات المماليك الذي استقلوا بأمور مصر، واحتقروا من الناحية العملية سلطة السلطان، وعملوا على الانفصال عن الدولة العثمانية.
ولقد حاول الإنجليز والفرنسيون أن يلجوا بابا آخر للوصول إلى أغراضهم المادية، فحاولوا عقد معاهدات مع بكوات المماليك أنفسهم أصحاب السلطة الفعلية والنفوذ في مصر، ولكن هذه المعاهدات لم تسفر عن نتيجة، فأمور مصر السياسية لم تكن مستقرة، وأحوال الأمن الداخلي مضطربة، وعهود بكوات المماليك لا يوثق بها ولا تربط أحدا، على أن ما يهمنا في هذا المكان هو أن إنجلترا وفرنسا اهتمتا بأمور مصر ومستقبلها نتيجة لاهتمامها بفتح الطريق القديمة، ففرنسا ترى أن فتح هذه الطريق سيجلب لها متاجر الشرق، وسيلحق بتجارة أعدائها الإنجليز الضرر البليغ. والإنجليز من ناحيتهم يرون في فتح هذه الطريق غنما كبيرا لتجارتهم واقتصادا كبيرا في الوقت والنفقات.
وأتى الفرنسيون إلى مصر في السنتين الأخيرتين للقرن الثامن عشر فاتحين ، وقد جعلوا من أهدافهم الأولى استعمار مصر واتخاذها مركزا للتوسع في الشرق الأدنى، وفتح الطريق المائية التي تصل البحرين الأبيض المتوسط والأحمر.
وما إن استقرت أقدامهم في أرض مصر حتى أخذوا في دراسة مشروع توصيل البحرين دراسة جدية. ولكنه لم يهيأ لهم النجاح، فبقاؤهم في مصر كان قصير المدى، شغلوا في أثنائه بالدفاع عن مركزهم في هذه البلاد أمام الأهالي المصريين وأمام الأتراك وأمام الإنجليز، فضلا عن أنهم في دراستهم للمشروع قد ظنوا أن مستوى أحد البحرين أعلى من مستوى الآخر.
وخرج الفرنسيون من هذه البلاد، بعد أن وجهوا - وهم لا يريدون - نظر السياسة الإنجليزية إلى أهمية هذه البلاد من الناحية الاستراتيجية والحربية، ومن ناحية المواصلات العالمية.
وأصبحت لإنجلترا سياسة خاصة نحو مصر وضعت أسسها في مطلع القرن التاسع عشر، اتبعتها مدة طويلة، فإنجلترا لن تسمح لدولة أوربية بالاستيلاء على مصر، ولن تسمح بقيام حكومة قوية في مصر تهدد مصالح إنجلترا.
على أن مشروع وصل البحرين لم ينته بخروج الفرنسيين، فلقد ظل حيا في أذهان بعض الفرنسيين، ولم يكن الإنجليز في أول الأمر معارضين له، بل كانوا مرحبين به، وحاول الفرنسيون والإنجليز دراسة المشروع دراسة قائمة على أسس علمية صحيحة، وحاول الفرنسيون جاهدين تحقيقه في عهد محمد علي الكبير، ولكن عاهل مصر العظيم كان له من بعد النظر السياسي وفهم الموقف الدولي ما جعله يغض النظر عن تنفيذه، وإن كان قد وجه عناية كبرى إلى فتح الطريق البرية التي تمر خلال مصر من الإسكندرية إلى القاهرة ومن القاهرة إلى السويس، هذه الطريق اقتنعت الحكومة الإنجليزية بأفضليتها على القناة من الناحية السياسية، إذ إنها اعتقدت أن تنفيذ مشروع القناة سيؤدي إلى فتح بوسفور جديد وربما يضطرها إلى احتلال مصر.
ولقد عمل حكم محمد على المستنير على استتباب الأمن والطمأنينة في كل ربوع البلاد، وأعدت الطريق البرية إعدادا تاما لتكون صلة مهمة بين الشرق والغرب، وما خشيه محمد علي الكبير من المشروع الفرنسي هو ما كان يخشاه على مستقبل هذه البلاد من إنشاء بوسفور جديد، كان يخشى عواقب إنشاء قناة بحرية تصل ما بين البحرين وتغير من مركز مصر الجغرافي وتجعل منها ميدانا للتنافس الأوربي، كان محمد علي يرى أن إنشاء القناة سيجعل من مسألة مصر مشكلة دولية يهم الدول البحرية جميعا التدخل في تحديد مصيرها.
ثم يأتي عباس باشا الأول ليتولى حكم مصر، ويرتسم لنفسه خطة محمد علي الكبير فيما يختص بموضوع القناة، فلما اشتبكت إنجلترا وفرنسا في نضال شديد، وأيدت إنجلترا إحياء الطريق البرية تأييدا كاملا بوضع مشروع للسكة الحديدية بين الإسكندرية والقاهرة والسويس، عارضت فرنسا ذلك المشروع معارضة شديدة، واستغلت في سبيل ذلك ما لها من نفوذ في مصر وتركيا، ولكن المشروع الإنجليزي كتب له النجاح ودخل في دور التنفيذ، وفي أثناء إنشاء السكة الحديدية بين مصر والإسكندرية مات عباس باشا الأول، واعتلى سعيد باشا منصة الحكم في مصر.
Halaman tidak diketahui