افتتاحية
لا يستلزم هذا الكتاب قراءة متصلة، ولكن من أي موضع يفتحه القارئ سيجد فيه مادة جديرة بالتأمل. إن أكثر الكتب فائدة هي تلك التي يؤلف القراء أنفسهم نصفها؛ فهم يتوسعون في الأفكار التي تقدم بذرتها إليهم؛ ويصوبون ما يبدو لهم خاطئا، ويعززون بتأملاتهم ما يبدو لهم ضعيفا.
حقا، لا يمكن لهذا الكتاب أن يقرأه إلا أناس مستنيرون؛ فالإنسان العادي ليس مهيأ لمثل هذه المعرفة، ولن تكون الفلسفة أبدا من نصيبه. أما الذين يقولون إن ثمة حقائق يجب حجبها عن العوام فليسوا بحاجة إلى التنبيه إلى أن العوام لا يقرءون؛ فهم يعملون ستة أيام في الأسبوع، وفي السابع يذهبون إلى الحانة. باختصار، لا تكتب الأعمال الفلسفية إلا للفلاسفة، وعلى كل إنسان نزيه أن يحاول أن يصبح فيلسوفا، دون أن يتباهى بأنه فيلسوف.
استخلصت هذه المقالات المرتبة أبجديا من الأعمال الأكثر تقديرا التي لا يسع كثيرين أن يصلوا إليها، وإذا كان المؤلف لا يشير دائما إلى مصادر معلوماته، بما أنها شهيرة بما يكفي لدى المثقفين، فلا يجب اتهامه بمحاولة الاستيلاء على قيمة جهد غيره؛ لأنه هو نفسه يحافظ على إخفاء ذاته؛ عملا بوصية الإنجيل: «فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك.»
الزنا
(1) مذكرة عن قاض كتبت عام 1764م تقريبا
ابتلي قاض كبير في مدينة فرنسية بأن كانت له زوجة أغواها كاهن قبل زواجها، وغطت نفسها بالعار منذئذ بفضائحها العامة. كان القاضي هادئا جدا، فاكتفى بتركها دون ضجة. هذا الرجل المشرف على الأربعين، المفعم بالفحولة، الحسن المظهر، في حاجة لامرأة، وهو أيقظ ضميرا من أن يغوي زوجة رجل آخر، ويخشى أن يضاجع عاهرة أو أرملة يمكن أن يتخذها خليلة. في تلك الحالة المزعجة المؤسفة، يتوجه إلى الكنيسة بالتماس هذا موجزه:
زوجتي مجرمة، وأنا الذي أعاقب. لا بد من امرأة أخرى لراحة حياتي، وحتى من أجل فضيلتي؛ والطائفة التي أنتمي إليها تحرمها علي؛ تمنعني من الزواج بفتاة شريفة. تحرمني القوانين المدنية الحالية، المؤسسة لسوء الحظ على القانون الكنسي، من حقوق الإنسانية. تنزل بي الكنيسة إلى الاختيار بين ابتغاء الملذات التي تستنكرها أو التعويضات المخزية التي تشجبها؛ تحاول أن تجبرني على أن أكون مجرما.
أتطلع بعيني إلى كل شعوب الأرض. ما من أحد سوى شعب الكنيسة الرومانية الكاثوليكية يعتبر أن الطلاق والزواج الجديد ليسا حقين طبيعيين.
ما الذي قلب القاعدة هكذا، وجعل من ارتكاب الزنا فضيلة عند الكاثوليك؛ ومن الافتقار لزوجة واجبا حين تنتهك شرف المرء زوجته انتهاكا شائنا؟
Halaman tidak diketahui