سمعت مديرية الآثار ومضت في أمرها. أما الأثريون فهم يقولون إنهم يستعيرون كل نادر نفيس من العاديات ليصلحوه، إذا كان مكسورا، ويصوروه ويدرسوه، ويكتبوا عنه في المجلات الأثرية. وعليهم بعد ذلك أن يعيدوه، إذا كان من قسمة العراق، إلى المتحف العراقي.
فهل يعيدون ما يستعيرون؟ قد تصفح أمين المتحف لوائح القسمة لمجموع ما استخرجته بعثة أور الإنكليزية الأميركية، منذ سنة 1922حتى سنة 1933، فوجد أن ثلاثة آلاف أثر ويزيد، من الآثار التي تضمنتها تلك اللوائح، لا تزال مجهولة المصير.
أضف إلى ذلك ما يحدث من الحيف في القسمات، وليس لمدير المتحف العراقي ما يقول. وإن اعترض فليس لوزارة المعارف، ما دامت المفوضيات الأجنبية تهتم بالبعثات الأثرية اهتمامها بمصالح بلادها التجارية والاقتصادية في العراق، ليس لوزارة المعارف ما تقول.
ما العمل إذن؟ ألا تستطيع الحكومة العراقية أن توقف الأعمال الأثرية كلها إلى أن يصير في البلاد أثريون وطنيون؟ أوليس ذلك أفضل من أن تذهب أكثر الآثار إلى المتاحف الأجنبية؟
إنها لحالة محزنة. فإن كانت تنقصنا العلوم الاختصاصية، ونحن اليوم في حاجة إليها، فعلينا أن ندفع ثمنها مهما كان. وترانا ندفع - إن كان في العراق، أو في سوريا، أو في فلسطين - أثمانا باهظة ...
إن العراق، في كل حال، لا يخسر شيئا إذا توقفت أعمال البعثات الأثرية ريثما ترسل الحكومة بعض الطلبة لدرس علم الآثار في الخارج.
لا، بل أقول إنه خير للعراق أن تبقى آثاره مدفونة في أرضه من أن «تطير» إلى ما وراء البحار.
خطبة بين كربتين
من المألوف في آداب الحفلات الخطابية أن الهيئة المقيمة الحفلة تعين لجنة من ثلاثة أو اثنين، أو واحد فقط؛ لتستقبل الخطيب وترافقه إلى قاعة الخطابة. هذا ما عرفته وألفته خطيبا في الغرب، وفي هذا الشرق العربي.
أما في بغداد، يوم افتتاح المعرض الزراعي (7 نيسان 1932) فقد كان الاستقبال هائلا، وكنت أنا الخطيب الفريد منقطع النظير في العالم. وكيف لا، وقد كنت الغريق في لجج من الناس، أحاول أن أسمعهم غير ما جاءوا يسمعون، أحاول أن أسمعهم شيئا من الأنات والزفرات التي كانت تخرج متقطعة من تحت أضلعي.
Halaman tidak diketahui