وقيل إنه حفر حفرة، وأوقد فيها النار، ووضع فيها هاونا، ثم إنه صلي كالجمر، وقال لأهل المدينة والأولياء: كل من كان صادقا بالله فليتقدم ويقف على الهاون داخل النار. فلم يقدر أحد، ثم إنه تقدم ووقف عليه، فذاب تحت قدميه حتى صار كالماء ... ••• «قال القاضي أبو علي التنوخي: حدثني أبو الحسن محمد بن عمر القاضي قال: حملني خالي معه إلى الحسين بن منصور الحلاج وهو إذاك في جامع البصرة يتعبد ويتصوف ... فأخذ يحادثه وأنا جالس معه أسمع، فقال لخالي: قد عملت على الخروج من البصرة. فقال له خالي: لم؟ قال: قد صير لي أهل هذا البلد حديثا، فقد ضاق صدري وأريد أن أبعد منهم. فقال له: مثل ماذا؟ قال: يرونني أفعل أشياء فلا يسألون عنها ولا يكشفونها، فيعلمون أنها ليست كما وقع. ويخرجون فيقولون الحلاج مجاب الدعوة، وله مغوثات. قد تمت على يده ألطاف. ومن أنا حتى يكون لي هذا؟ بحسبك أن رجلا حمل إلي منذ أيام دراهم وقال لي: اصرفها إلى الفقراء. فلم يكن يحضرني في الحال أحد، فجعلتها تحت بارية (حصير) من بواري الجامع، إلى جنب أسطوانة عرفتها، وبت ليلتي. فلما كان من غد جئت إلى الأسطوانة أصلي، فاحتف بي قوم من الفقراء، فقطعت الصلاة وشلت البارية فأعطيتهم الدراهم ، فشنعوا علي بأن قالوا: إني إذا ضربت بيدي إلى التراب صار في يدي دراهم.»
قبة زمرد خاتون المعروفة بضريح الست زبيدة (تصوير الدورادو).
وقفت في حضرة الحلاج عند مائدة عليها ورقة مكتوبة فيها الأشعار التي قالها قبل أن ضرب السياف عنقه. وقد نظم الأبيات، على ما يظهر، بعد أن علم بالحكم الذي أصدره جنيد. ولكنه سأل من جاءه بالخبر: أين صدر الحكم؟ أفي التكية أم في المدرسة؟ فقيل له: في المدرسة. وفي المسألة نقطة قانونية شغلت باله. فلو أن الحكم صدر في التكية لكان باطلا؛ لأن الحلاج وجنيد فيها إخوان. أما في خارج التكية فجنيد القاضي يحكم بما يشاء ... وجاء الشهود، وتبرأ من تبرأ من دم هذا الصديق، فأنشد الأبيات المعروضة اليوم على المائدة عند ضريحه:
نديمي غير منسوب
إلى شيء من الحيف
سقاني مثلما يشرب
كفعل الضيف للضيف
فلما بان لي سكر
دعا بالنطع والسيف
كذا من يشرب الراح
Halaman tidak diketahui