ثم زحف الجنود بقيادة كنج عثمان على بغداد، فحاصروها.
أما السلطان مراد فقد دخل إلى بغداد في زي درويش ينشد الأشعار الفارسية بأطرب الألحان، فسمعه الشاه، فدعاه، وقربه، ولعب وإياه الشطرنج، فتقدم السلطان بفرزانه منتصرا، ثم حصر «شاه» الشاه وقال: الشاه مات. قال ذلك وقام، فخرج من القصر مسرعا، وراح إلى المعسكر خارج السور.
وفي تلك الليلة كان القائد العام كنج عثمان أرقا مغتما، فزاره شيخ معمم بعمامة خضراء كبيرة وخاطبه قائلا: ما لي أراك في ضيق واضطراب؟ فقال كنج عثمان: قد أعيانا فتح بغداد، وقد نفدت قوانا وذخيرتنا. فقال الشيخ: إذا كان الغد اذهب إلى السلطان مراد وقل له أن اعمل مدفعا كبيرا.
فلما بزغت الشمس ذهب القائد العام إلى السلطان وأخبره بما كان. فقال السلطان: من أين لنا ذلك ولا حديد لدينا.
وفي الليلة الثانية أيضا طاف الشيخ بالمعسكر، وخاطب القائد العام عثمان الصغير قائلا: ألم أقل لك اعملوا مدفعا من حديد؟ لم لم تعملوا ذلك؟ فقال عثمان: ليس عندنا شيء من حديد. فقال الشيخ: خذوا أنعل خيولكم ومرابطها الحديدية وصبوها.
وعند الصباح أخبر كنج عثمان السلطان مراد بذلك، فأمر السلطان بجمع النعال والمرابط كلها، فلما جمعت وأذيبت تحيروا في كيفية صبها.
وجاء الشيخ في الليلة الثالثة إلى خيمة كنج عثمان يقول: أنا أعلمك. وراح يشرح له كيف يعمل القالب ويصب المدفع.
ما فهمت القاعدة لا مما نقله الدجيلي، ولا مما رواه الراوي. كلام الشيخ مبهم. ولكن القائد العام كنج عثمان فهمه، على ما يظهر؛ لأن المدفع صنع في اليوم التالي.
قال الراوي: صنع المدفع، ولكن يا جماعة الخير، ما عندنا بارود!
وللمرة الرابعة تجلى للقائد الصغير الشيخ الجليل - الذي عرفه الآن ولا شك القارئ النجيب - فخاطبه قائلا: لا يهمنكم البارود والرصاص. فاجعلوا بدل البارود التراب، وبدل القنابل قطع الصخور، وارموا بها الأعداء. فإنها ستكون عليهم أشد وقعا من الرصاص والبارود.
Halaman tidak diketahui