ومع ذلك فهو لا يزال في قيود اختارها لنفسه، هي قيود التقاليد أو بعضها في الشعر وفي الدين. فإن كان قد نفض غبار النجف عن جبته، وعنكبوت النجف عن عمته، فهو لا ينبذ، ولا أظنه يستطيع أن ينبذ من عقله ومن قلبه الإرث الشعري والديني. وهذا ما يميزه عن الشعراء الآخرين، فقد يكون أفق شعره دون آفاقهم اتساعا، وقد يكون خياله مثل صناعته الشعرية من المقلد المألوف، ولكنه شديد الحس، صادق اللهجة، نقي الفكر، نقي العبارة، مع شيء فيهما من التجهم والقساوة.
رضا الشبيبي شاعر روحي لا يغره العلم، ولا يطوح به الجهل. وهو شاعر تقليدي ، يحترم الماضي، ويتورع للحاضر، وينظر إلى المستقبل بعين الرضى والاطمئنان. إن سبيله الروحي لا يخلو من الوعور والعقبات. بيد أنه مؤمن على الدوام حتى في حيرته، ومطمئن حتى في اضطرابه. وقد يعد، وهو ضمن دائرة محدودة وإن اتسعت، من المتمردين. وقد تعترضه إذا ما حاول اجتياز الحدود، عناية إلهية أو شبه إلهية، فيعود إلى ربوع الأمان، وفي قلبه خشوع، وعلى لسانه كلمات الحمد والرضى. وقد يدنو الشبيبي في غضبة طاهرة من ظل العرش الأعلى، قد يدنو حتى من العرش، والشعلة لا تزال في قلبه، والشرر في ناظريه، فيزر بعد ذلك جبته، ويتضمخ بالطيب، ويجلس على فراش الحب والوداعة، وقد صفا نوره، وسكن شعوره، مثل سلفه الشريف الرضي.
في مجموعة متسلسلة من الشعر، شبيهة بملحمة وجدانية، تتجلى روح الشبيبي في متانتها ونضارتها، وفي يقينها وحيرتها، وفي اطمئنانها واضطرابها. فهي تحلق في سماء الخيال والحقيقة حول رواسيهما العالية، وفوق الوهاد السحيقة بين تلك الرواسي، فتثب من قنة إلى قنة، ثم تعود سليمة آمنة إلى بستانها في الكرادة. أو أنها تجري في «سكرة النفس» في بحر زاخر من الهول «وما شطأت حينا ولا قاربت مرسى.»
تجللها ليل طويل وما رأت
على طوله بدرا ولا طالعت شمسا
سفينة نفس غامرت وتعرضت
لها الهوج ولا يبقين من أحد نفسا
ولكنها نجت من تلك الأهوال وما نجت من توبيخه لها.
فيا لك عقلا ما أند عن الهوى
ويا لك قلبا ما أشد وما أقسى
Halaman tidak diketahui