مذانبها، وأغبرت جوانبها، وغرد المكا في غير روضة، وخاض الناس بالباس أعظم خوضه، وأبدت الخمائل عبوسها، وشكت الأرض للسماء بوسها، فأقلع المتوكل عن الشرب واللهو، ونزع ملابس الخيلاء والزهو، وأظهر الخشوع، وأكثر السجود والركوع، إلى ان غيم الجو، وأنسجم النو، وصاب الغمام، وغنت الحمام، وسفرت الأزهار، وزهت النجاد والأغوار، واتفق أن وصل أبو يوسف المغني والأرض قد لبست زخارفها، ورقم الغمام مطارفها، وتدبجت الغطيان والربى، وأرجت نفحات الصبا، والمتوكل ما فض لتوبته ختاما، ولا نفض عن قلبه منها قتاما، فكتب إليه: متقارب
ألم أبو يوسف والمطر ... فيا ليت شعري فما ينتظر
ولست بأب وأنت الشهيد ... حضور نديك فيمن حضر
ولا مطلعي وسط تلك السما ... ء بين النجوم وبين القمر
ركض فيها جياد المرا ... م محثوثة بسياط الوتر
فبعث إليه مركوبا وكتب معه: متقارب
بعثت إليك جناحا فطر ... على خفية من عيون البشر
على ذلل من نتاج البرو ... ق في ظلل من نسيج الشجر
فحسبي ممن نأمن من دنا ... فمن غاب كان فدا من حضر
فوصل القصبة المطلة على البطحاء، المزرية بمنازل الروحاء ، فأقام منها حيث قال عدي بن زيد يصف صنعاء: مديد
في قباب حول دسكرة ... حولها الزيتون قد ينعا
ومضى لهم من السرور ما مر لاذي رعين، ولا تصور قبل عيونهم لعين، وأخبرني أنه سايره إلى شنترين قاصية أرض الإسلام، السامية الذري والإعرم، التي لا يروعها صرف، ولا يقرعها طرف، لأنها متوعرة المراقي، معفرة للراقي، متمكنة الرواسي والقواعد، من ضفة نهر استدار بها استدارة القلب بالساعد، وقد أطلت على خمائلها أطلال العروس من منصتها، واقتطعت في الجو أكثر من خصتها، فمروا بالبش قطر سالت فيه جداوله، واختالت فيه خمائله، فما يجول الطرف منه إلا في حديقة، او بقعة أنيقة، فتلقاهم ابن مغاني قاضي حضرته وأنزلهم عنه، وأورى لهم بالمبرة زند، وقدم لهم طعاما، واعتقد قبوله منا وأنعاما، وعندما طعموا قعد القاضي بباب المجلس رقيبا لا يبرح، وعين المتوكل حياء منه لا تجول ولا تمرح،
Halaman 43