بسم الله الرحمن الرحيم
[مقدمة المؤلف]
الحمد لله الذي ألهج خواطر الشعراء [بالكلام] الموزون، وألهمهم الغوص على درِّه النفيس وجوهره المخزون، وذلَّل لهم زمامه بعد الجماع فانقاد، حتى تملكوا رقَّة بذكاء الفهم والذهن الوقاد؛ فتصرفوا في أنواعه وفنونه، وأظهروا ما كان بديعًا من مكنونه، ومروا الخالص من درره، واستنبطوا النادر من غرره.
فكم ابتكروا من المعاني البليغة التي جلت ودقت، وكسوها الألفاظ الرشيقة التي راقت ورقَّت؛ ما شهد لهم بكمال البراعة، والتبريز في إحكام الصناعة. فلو انتقدت هذه الألفاظ والمعاني، وتأملها الحاذق في صنعة المعاني؛ مع تلك البدائع التي اخترعوها، والمحاسن التي أتوا بها وابتدعوها، لقال مبادرًا: هذا هو السحر الحلال، أو الراح الشَّمول شجَّت بالماء الزلال، ويواقيت رصعت في التيجان، وشذور ذهب فصِّلت باللؤلؤ والمرجان؛ ولا بل رياض أنيقة تبهج/٢ أ/ الناظرين ناصع ألوانها، قد تضرجت وجنات شقيقها، وابتسمت ثغور أقحوانها. وزها نرجسها وعرارها، واستنار وردها وبهارها، وأشرق ياسمينها، ولاح نسرينها. ضاحكها الشمس غبَّ بكاء الغمام، فأصبح النَّور بأرجائها مفتَّح الأكمام؛ فإذا نشر النسيم خمائل زهرها وحياها، جاءت بالمسك السحيق من تربها وطيب تضوُّع ريَّاها. وكلما شدت أطيارها وترَّدت ألحانها، رقصت غصونها طربًا وصفَّقت غدرانها.
نحمده على ما أولانا من فرائده الأثيرة، وأجرانا فيه على عوائده الخطيرة، وصلى الله على رسوله الصادق الأمين، سيد الأنبياء الأكرمين؛ الذي أنزل ﷿ في حقّه في كتابه المبين ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾.
1 / 59
ثم الصلاة على آله مصابيح الظلام، وصحابته نجوم الإسلام، ما نمّقت ثريحه وحبّرت، وأنشأت رويه وعبّرت.
وبعد؛ فإنَّني لمّا قاربت إنهاء كتابي الموسوم "تحفة الوزراء" /٢ ب/ المذيل على كتاب "معجم الشعراء" الذي ألَّفه وجمعه الشيخ أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني الكاتب –رحمه الله تعالى- فجاء كامل الوصف في تنقيحه، بديع الصنعة في تحريره وترقيحه؛ أحسن زينة من العرائس، تجلى في الغلائل النفائس.
فأخلدت إلى أن أجمع من الشعراء الذين دخلوا في المائة السابعة وأدركوها، وانخرطوا في سلك فريقها وجاوزوها، ومن وطئ بساطها، وسلك سراطها، على حسب ما صار لدىَّ حصوله، واتفق إلىَّ وقوعه ووصله؛ من شعراء عصري، ومحاسن فضلاء دهري، وأفرد لذلك كتابًا بسيطًا، حاويًا لشوارد كلامهم محيطًا، يشتمل السمين والغيث، والقشيب والرث؛ ليكون أجمل في العيون وأبهى، وأحلى في النفوس وأشهر. لا يملّ من تصفحُّه قاريه، بل يروق له ما اشتملت عليه مطاويه.
فبادرت –بحمد الله وحوله- وفضله السابغ وطوله، ألتقطه من الشفاه، وأتلقفه من الأفواه، وأودعه ما يستحب ذكره، وأسطر في غضونه ما يجب سطره /٣ أ/ من شعراء أهل العصر، إذ هم الجمّ الغفير الذين لا يأتي عليهم الحصر؛ فإن حصرهم بحر لا يدرك قعره، ومتاع لا يسبرّ على الحقيقة سعره.
ثم لا يشقّ هذا الغبار، ويجري في هذا المضمار، ويتمسك بهذه الأسباب،
1 / 60
ويتقمص هذا الجلباب؛ إلاَّ من يجهد نفسه فيه إجهادا، ويبذل لذيذ رقاده سهادًا. ولا يضيق به ذرعا، ويتخذ الصبر له جنّة ودرعا، ويشمّر في الطلب عن ساق جدّه، ويخلق جديد العمر بسعيه وكدّه.
وجعلته له كالذيل، وأجريته في ذلك السيل، [وكلته بذلك الكيل]؛ إذ هو قطرة من حياضه، وزهرة من رياضه.
ثم إنَّني أضيف إليه لمعًا من منثور يروق، وأوشحه بأنموذج من أخبار تشوق؛ مما نتيجته بنات أفكارهم، وضمنته ما يستحسن من نوادرهم واخبارهم، وأذكر من عرف بالكنية دون الاسم، واشتهر بها فصارت له تجري مجرى الاسم العلم، لا يعرف إلاّ بها وذلك كثر في الأسماء.
ثم سقته على حروف المعجم مرتبا؛ ليأتي غريبًا في شأنه مهذّبا، ويكون أسهل/٣ ب/ على محاولة، وأقرب إلى يد متناوله؛ فإنه ترتيب لم أسبق إليه، وتأليف لم يزاحمني أحد عليه.
وتتبعت كل من هو داخل في الشرط الذي شرطته، ومعدود في القبيل الذي أثبتّه، مقتفيًا أثر من تقدّمني في هذا الأسلوب، ومقتديًا بمن هو بهذا الشأن مع العلماء محسوب؛ كالأستاذ السابق، والإمام الحاذق: أبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري في كتابه "يتمية الدهر في محاسن شعرء العصر"، وتلاه أبو الحسن على بن الحسن بن أبي الطيب الباخرزي الكاتب
1 / 61
فعمل كتاب "دمية القصر وعصارة أهل العصر" فتبعه أبو المعالي سعد بن علي بن القاسم الحظيري الكتبي فألَّف كتابه "زينة الدهر في لطائف شعراء العصر" فتبع بعده الإمام أبو حامد محمد بن محمد بن حامد الكاتب الأصفهاني، فأنشأ كتابه "خريدة القصر وجريدة العصر"، ثم كتاب "الملح العصرية" تأليف أبي القاسم علي بن جعفر بن علي السعديّ الصقليّ الأديب/٤ أ/ النحوي المعروف بابن القطّاع، وكتاب "الأنموذج في شعراء القيروان" صنّفه
1 / 62
أبو علي الحسن بن رشيق الأزدي المهدوي، ثم كتاب "الحديقة" صنعه في شعراء العصر، الحكيم أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت المهدوي، ثم كتاب "أسر السرور" تأليف القاضي أبي العلاء محمد بن محمود بن أبي الحسن بن الحسين الغزنوي، في ذكر شعراء أوانه، وكتاب صنعه عمارة بن أبي الحسن علي بن زيدان اليمني في شعراء عصره، وكتاب
1 / 63
"المختار في النظم والنثر لأفاضل أهل العصر" تأليف ابن بشرون الصقلي، وكتاب "وشاح دمية القصر" تأليف القاضي الإمام الأديب أبي الحسن علي بن زيد بن محمد بن الحسين البيهقي. وإلى غير هؤلاء الفضلاء، المبرزين في الآداب النبلاء، ممن لم يقع إلى له تصنيف، ولم أعثر له على جمع وتأليف.
وقد سمت هذا الكتاب بـ:
"قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان"
أعني بذلك زماني، ومن أدركه من الشعراء عياني.
ثم إني أسأل الناظر فيه الصفح عن هفواتي، وأرغب إليه في الستر/٤ ب/ على زلاتي وعثراتي؛ لأنني ألَّفته وأنا كليل الناظر، مشدوه الخاطر. قد أخذ مني الفقر بحقّه، وصيّرني أسيرًا في قبضاع ورقّه. والدهر يجرّعني كاسات حتوفه، ويصميني بسهام صروفه.
فلا غرو من ذي قلب محزون، وصدر بالأفكار مشحون؛ أن يصفو أو يزل، أو يخطئ أو يضل. وها أنا لم أصح من بقايا سكره، ولم أزل غارقًا في تيار بحره؛ لا سيما والشيب قد كتب في فوديَّ سطورًا، وبدّل مسك العذار كافورًا. وإلى الله تعالى ألجأ من توارت الهموم، وتتابع الأحزان والغموم، ومنه أستمد المعونة وحسن التوفيق، بأن يهديني إلى أرشد مذهب وأوضح طريق. إنه سميع مجيب الدعاء، وليّ الإجابة جمّ العطاء، وبه المستعان، وعليه التكلان.
1 / 64
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه الثقة
حرف الهمزة
ذكر من اسمه إبراهيم
[١]
إبراهيم بن محمد بن حيدر بن عليِّ، أبو إسحاق الموذنيُّ الخوارزميُّ، المدرّس الحنفيُّ.
كان أعلم أصحاب الإمام أبي حنيفة ﵁ بالفقه في وقته، جليل القدر، كثير المحفوظ، متقنًا في علوم الإسلام والشريعة. وكان إمامًا في الفقه والفرائض وعلم التفسير والحديث والأصولين والكلام؛ وينضاف إلى ذلك معرفته بالنحو واللغة والأدب، مع أخذه بحاشيتي النظم والنثر. وكان له اعتناء بتصانيف أبي القاسم الزمخشري، كثير الميل غليها والتحفظ منها، وله ديوانا خطب وأشعار.
كانت ولادته في شهر ذي الحجة سنة تسع وخمسين وخمسمائة. وكان فقيهًا حنيفًا مدرسًا أديبًا بارعًا؛ له من التصانيف كتاب "ديوان الأنبياء" وكتاب "شرح كليلة ودمنة" بالفارسية، /٦ أ/ وكتاب "الوسائل إلى الرسائل" من نثره، وديوان
1 / 65
شعره بالعربية، وديوان شعره بالفارسية، وكتاب "الخطب في دعوات ختم القرآن"، سمّاها "يتيم اليتيم"، وكتاب "الطرفة في التحفة" بالفارسية رسائل، وكتاب "أسايش نامه" في المواعظ بالفارسية، وكتاب "تعريف شواهد التصريف"، وكتاب "أنموذار نامه" يشتمل على أبيات غريبة شرحها بالفارسية، وكتاب "كفتار نامه" منطق، وكتاب "مرتع الوسائل ومربع الرسائل".
أنشدني أبو حامد سليمان بن جبرائيل بن محمد الإربلي بها، لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد يمدح النبي –ﷺ لنفسه: [من البسيط]
سليل عبد مناف من أناف على ... هامات كفر وسيف البغي مسلول
له خصائص من حكم تبرُّ على ... خصائص الرُّسل لا يغتالها غول
وشبِّهت بالنُّجوم الزُّهر صحبته ... فالرُّشد من كلِّهم للخلق مأمول
فمن لهاهم هجان الحقِّ في مرح ... ومن نهاهم هجين الفسق مشكول
فعن مودَّة أهل البيت خالصة ... ربع السَّعادة في الَّارين مأهول
ولِّيت أعمال خيرات أقوم بها ... بأنَّني عن قبيل الرَّفض معزول
/٦ ب/ أوضحت معتقدي في شأن حبِّهم ... والله في ذاك للتوفيق مسؤول
فمن يخالفني فالسيف مخترط ... ومن يحالفني فالسَّيب مبذول
وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يمدح الخطيب برهان الدين محمد بن محمود:
[من الطويل]
لبرهان دين المصطفى الدِّين أجمع ... وإنِّ بني الدُّنيا على ذاك أجمعوا
يقصِّر عن فضوى معاليه قيصر ... ويتبعه في الأمر والنَّهي تبَّع
وبالشَّرق من ذكرى سجاياه محفل ... وبالغرب من عليا عطاياه مجمع
وللعلم في أحكامه الزُّهر معلم ... وللشَّرع في أقلامه الغر مشرع
له قلم في سنِّه منعش الورى ... ولكن إذا أستشرى العدا فيه مصرع
1 / 66
به يستقيم العلم إن سلَّه على ... صحائف شرع الله والجهل يضلع
ففي مشقه رعد السماحة قاصف ... ومن شقِّه برق الفصاحة يلمع
له قصدت مني إليه قصيدة ... غدّا الشِّيخ من أثنائهأ يتضوَّع
فلو قرعت سمع أبن أوس لما أرتضى ... أما أنَّه لولا الخليط المودِّع
وأنشدني، قال: أنشدني إبراهيم بن محمد يمدح شهاب الدين أبا سعيد عمران الخيوقي: [من الطويل]
/٧ أ/ عذريي من ترجيل صدغ مسلسل ... رجال التُّقى تهفو لهذا التسلسل
عذيري من صدغ الغدار الَّذي التوًى ... فألوى بدين الزَّاهد المتبتِّل
يرى في مقامات المناجاة جازعًا ... طلوعًا ومن حسن العزاء بمعزل
بصوب دوموع دونه صوب مزنة ... وغلي فؤاد دونه غلي مرجل
فيا حبة القلبً أصبري صبر مبتلًى ... بغير هوًى فالحب للصَّب مبتلي
وما مغزل فرَّت لغدر وغادرت ... طلاها نحيفًا ي نحافة مغزل
وقد عولت بالكره عن سكناتها ... بهيرًا وتشكو صيد شاك وأعزل
وطارت شعاعًا نفسها إذ تناحت ... شعاع سيوف داسها يد صيقل
وأثَّر فيها ذعر جند مكبِّر ... كما نال منها خوف جيش مهلِّل
شرايين جرحاهم موًارد قثعمً ... واشلاء قتلاهم موائد جيأل
فمن سمرهم ناصت لطعن معجَّل ... ومن بيضهم باضت لقتل مؤجَّل
بأكثر منِّي لوعة يوم آذتت ... برحل جديليِّ شبيه بأجدل
ومن مديحها:
بمدح شهاب الدِّين أرجم خصمه ... كريم بني الدُّنيا المرجَّى لمعضل
خواطره مالت تحلُّ عويصة ... وآراؤه آلت إلى حلِّ مشكل
/٧ ب/ عديم نظير في المناظرة الَّتي ... لفرسان فقه صعبها لم يذلَّل
1 / 67
وإن أقفل الأشكال باب دقائق ... بفطنته ألغينا مفتاح مقفل
خبير بصير عند كل مباحث ... بإجمال تفصيل وتفصيل مجمل
حوى قصبات السَّبق بالعلم واحتوى ... على آخر بالمكرمات وأوَّل
أتتك ابن عمران قصيدتك الَّتي ... قصت بها أشعار قيس وجرول
فلو قرعت سمع أمرئ القيس لم يقل ... (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل)
وكتب إلى بعض الأكابر: [من البسيط]
يا بدر دين إله الخلق نفسي من ... حرمان خدمتكم ماتت فمرتعش
من رحمتي اغتدي حيران مرتعشًا ... كأنَّني زئبق في كفِّ مرتعش
[٢]
إبراهيم بن عمر بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق الحانيَّ العطّار، المعروف بابن رقيقة.
وهو من حيني مدينة من آخر ديار بكر من ثغر الروم.
كان هذا الرجل عطارًا، وله حانوت بمدينة حيني يتعيش في العطر. وكان صاحب ثراء. وكان عزبًا لم يتزوج قطّ.
شاعر متقّن، ومترسّل محسن، له أشعار مجموعة، ورسائل مدونة، وخطب مستجادة. حسن المعرفة بالأدب واللغة، /٨ أ/ له مدائح في الملوك [من] بني أيوب وغيرهم من الأمراء والأشراف.
وهو رجل صالح المروءة، عزيز النفس، سخيُّ الكفِّ، كثير التواضع، [حرّ الطبع، لا يرد سائلًا ولا يحرم وافدًا يقصده، على سيرة لم يكن عليها أحد من أبناء زمانه الأسخياء من شرف النفس، وكمال المؤوءة، وسعة الصدر، والانقباض عن الأكابر والرؤساء؛ فإنه كان يرى في نفسه أنه أجل منهم قدرًا، وأجل رتبة وفضلًا، ولم يعش ...... الذين كانوا يخالطونه؛ لأن نفسه كانت تترفع عن أن يمدح للاستجداء
1 / 68
والاسترفاد على عادة الشعراء الذين همّهم الدنيا وحطامها.
ومدح الملك الأشرف؛ فلما أنشدت القصيدة بين يديه استحسنها وسيَّر له خلعة سنية، ودنانير لها قيمة؛ فلما وصلت إليه لم يتناولها وردّها عليه، وأنفذ معها طبقًا مملوًا من السكر واللوز وما يصلح أن يهدي إلى الملوك ....] ترفعه نفسه أن يسترفد بالشعر، لا يقبل عليه ثوابًا، ولم يكن من طلاّب الرفد، يرى ذلك من العار والنقص. [وكان مع ذلك قد قرأ أدبًا ونحوًا ولغة فيما قرأ، وقال شعرًا نادرًا، ودونه وكتبه بخطه، يدخل في مجلد، وأنشأ رسائل وجمعها في مجلد. ورأيت كلا الديوانين بالموصل، وهما بخط يده. ونقلت من ديوان أشعاره جملة كافية يعربان عن بلاغة وبيان ......].
وكان الناس يقبلون عليه، ويميلون إليه لما كان عليه من السماحة والفضل. ولم يزل بحسن حال ونعمة حتى نفد ما كان بيده ............. فتوجه نحو ميافارقين، فأقام بها إلى أن مات سنة تسع وثلاثين وستمائه –رحمه الله تعالى-.
أنشدني أبو علي الحسن بن حمزة بن حمدون الموصلي، قال: أنشدني إبراهيم ابن عمر لنفسه: [من الطويل]
ومعتدل عن منهج العدل عادل ... من التُّرك مغرى بالتَّجنُّب والتَّرك
تلوح أياة الشمس في صحن خدِّه ... وتظهر في أجفانه آية الفتك
إذا رمت صون الحبِّ صال بهجره ... علي فكان الصول داعية الهتك
يصدُّ فيشكيني دلالا وكلَّما ... شكوت إليه فرط حبيه لا يشكي
جفاني فما دمعي بكيُّ ولا الكرى ... يلمُّ بعيني فهي ساهرة تبكي
فكم منية لي منه عادت منيَّة ... ووعد بوصل شيب بالمين والإفك
ولمَّا حوى رقِّي هواه ابحته ... دمي فنحاه بالإراقة والسَّفك
وما خلت مذ ألقيت في هوَّة الهوى ... بأنَّ الهوى يفضي بقلبي إلى الهلك
1 / 69
بروحي كثير الغدر والظَّلم متبع ... قليل الوفا مرُّ القطيعة والمحك
/٨ ب/ بخيل بريق الثَّغر لم ينور رقَّة ... لنا حل جسم مشبته دقَّة السِّلك
أأرجو فكاكا من هواه وإنَّني ... أسير له في ربقة الرِّقِّ والملك
أحلَّ بقلبي لوعة سحر طرفه ... فواحربا من سحر ناظره التُّركي
إذا ما أنثنى كالغصن عوَّذت قدَّه ... بحاميم والأحزاب والنَّجم والملك
دعا حسنه أهل الضَّلال إلى الهدى ... فأنقذ أهل الِّرك من شرك الشِّلاك
وله من قصيدة وأشندنيها الشيخ الأجل تاج الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن علي بن عمر القرشي العثماني الفارقي المقرئ الفقيه –أسعده الله تعالى- بمحروسة حلب عن قائلها: [من الكامل]
ما لاح بارق متألِّقا ... إلاَّ تذَّكرت الحمى والأبرقا
وسفحت سحب مدامعي أسفًا على ... شمل لنا السَّفح عاد مفرَّقا
يا ساكني أرض الحجاز حجرتم ... طيب الكرى عنِّي قبتُّ مؤرَّقا
وهواكم ما غار مدمع مقلتي ... مذغار حادي عيسكم يوم النَّقا
طلعت طلائع بينكم بطويلع ... وجزعت إذ بالجزع عزَّ الملتقى
تعس الفراق فكم أراق لنا دمًا ... فرقًا وكم من ناظر قد أرَّقا
/٩ أ/ كم خان مغتربًا وشيَّب مفرقًا ... للعاشقين ولم فريًق فرَّقا
ولقد سألت فما حنا بالمنحنى ... حادي الرَّكائب حين سًاق الأينقا
الوى فليت لوى على ذى لوعة ... متشوِّ أودت به أيدي الشَّقا
عجبي لصبٍّ أوثقته صبابة ... يوم التَّفرُّق كيف يطمع في البقا
أم كيف يفرح في اللِّقاء متيَّم ... كلف الفراق به فغادره لقى
أبدًا لذكر الهجر يخفق قلبه ... ولطالما رام الوصال فأخفقا
أمسى لنوم جفونه ودموعه ... بعد الأحبَّة مطلقًا ومطلِّقا
وقال من أخرى: [من البسيط]
له على كلفي في الحبِّ أعوان ... عيم وقدُّ كخوط البان فتَّان
1 / 70
ومبسم ريقه السنُّوت خامره ... خمر وطرف كحيل الجفن وسنان
يا للخلائق من يعدو على رشإ ... إخلافه موعدي ظلم وعدوان
محرَّم وصله تيهًا على دنف ... نصيبه منه إخفاق وحرمان
يردي المتيَّم منه حين يعوزه ... عذر له في الهوى صدُّ وهجران
كم رمت صبرًا فلم أملكه قد فتنت ... عقلي من الرِّيم أحداق وأجفأن
فتور الحاظه المرضى أحلَّ دمي ... وحلَّ في القلب من جفنيه أحزان
/٩ ب/ إنِّي لأرتاح في تقبيل عارضه ... إذا بدا فوق صحن الخدِّ ريحان
لو كنت ذا نهية تنهي إلى ورعي ... وراع روع لبارى الخلق عصيان
لما نظمت سوى شعر أظلُّ به ... مقرِّطًا ملكًا مدحيه إيمان
أندى ملوك الورى كفّا وأسمحهم ... سمحًا وأعرفهم بالعرف مذ كانوا
وله من أخرى: [من الكامل]
لو كان حسن الصَّبر من أعواني ... ما زادني قلقًا جنون جناني
هيهات لم يطق التَّصبُّر عاشق ... صالت عليه صوارم الأجفان
من كلِّ بيضاء الجبين يزينهأ ... قدُّ يقيم قيامة الإنسان
حوراء حرت بحسنها وصدودها ... من فتكها في القلب حدُّ سنان
وإذا تبدَّى وجهها بانت لنا ... شمس النَّهار على غصون البان
أشبيهة المرَّان لين معاطف ... عطفًا فهجرك والجفا مرَّان
أسرفت في ظلم المحبِّ فأحسني ... ودوام هذا الحسن بالإحسان
ولئن عنوت إلى سواك فلا شفي ... ممَّا يعاني فيك قلبي العاني
وقال: [من الكامل]
ومدلَّل أضحت دلائل حسنه ... كالشمس واضحةً لعين النَّاظر
/١٠ أ/ يسبي القلوب بناظر أجفانه ... مكحولة سحرًا ووجه ناضر
ينهى وينهر سائليه تجبُّرًا ... ومن البلاء سؤال ناهً ناهر
1 / 71
لم يرع عهد متيَّم في حبِّه ... ذي مدمع كالعهد هام هامر
وقال أيضًا وأوائلها أحرف يوسف: [من الكامل]
يا من تفرَّد بالجمال فماله ... في العالمين مشاكل ومماثل
وأطال مدَّة شقوتي بدلالة ... فله عليَّ شواهد ودلائل
سهري بصدق مودَّتي لك شاهد ... ولطول حزن في هواك مخايل
فتنت شمائلك الورى فاستعبدت ... منها النُّفوس بأسرهن شمائل
وقال أيضا: [من الكامل]
رام التَّكبر في الهوى فتركته ... وسئمته وملكته وهجرته
وجحدته حتَّى كأنِّي لم أكن ... يومًا من الأيَّام قطُّ عرفته
لمَّا أصرَّ على قبيح فعاله ... وأذاع سرًّا صنته وكتمته
ناديت حسن الصَّبر عن فراغ له ... فأجاب حين أجبته فمللته
والله لو أودى الهوى بحشاشتي ... وعدمت فيه تجلُّدي وفقدته
/١٠ ب/ ما بعت عزِّي بالهوان له ولا ... هوَّنت صعب الضَّيم فيه ورمته
وقال أيضًا: [من الطويل]
دعتني إلى التَّرحال عنكم ضرورة ... وفارقتكم رغمًا بقلب مفجَّع
ولو سمحت عيني بدمع تفيضه ... لأرويت تلك التُّرب من فيض أدمعي
وقال: [من الطويل]
إذا صاحب أودعته السرَّ في الرِّضا ... ولم يفضه للنَّاس في حالة السُّخط
فذاك الَّذي لا ينبغي لك أن ترى ... له هاجرًا في حالة القرب والشَّحط
وقال: [البسيط]
يا أكرم النَّاس إنسانًا وخير فتًى ... أضحى لعين العلا والمجد إنسانا
أهديت لي الرُّشد مذ أهديت لي كرمًا ... صحيفة صمِّنت حسنًا وإحسانا
وقال: [من الطويل]
1 / 72
يقولون لم لا تشرب الرَّاح إنَّها ... تريح من الحزن المبرِّح والهمِّ
فقلت: ذروا هجر الكلام فإنَّني ... تجنًّبت شرب الإثم خوفًا من الإثم
وله فيما يكتب على قوس: [من الطويل]
عنت لي رماح الخطِّ في كلِّ مأقط ... وفاز بيمن النَّصر والسَّعد حاملي
/١١ أ/ فلم يخط سهمي حين يرميه باسلً ... مقاتل قيل في الحروب مقاتل
وله في ماردين: [من الكامل]
يا ماردين بقيت مونقةً الربى ... وسقى ربوعك صيِّب الأنواء
كم فيك من ساجي اللًّواحظ قدُّه ... يحكي اعتدال الصَّعدة السَّمراء
وقال: [من السريع]
يا قلب قد أضناك فرط الجوى ... إنَّ الجوى يمرض أهل الهوى
هذا ومن تعشقه حاضر ... فكيف إن أقصاه أيدي النَّوى
وقال: [من السريع]
يا ظالمًا في ظلمه ... سخطك داني ورضاك الدَّوا
لامت أو تعشق حتَّى أرى ... جسمك في السُّقم وجسمي سوا
وقال أيضًا: [من الطويل]
إلى م أرضِّية وشيمته السخط ... وأصغي له ودِّي فيجفو ويشتطُّ
وحتَّى م يسطو تائهًا بدلاله ... عليَّ ويذكي لوعتي كلَّما يسطو
غريب المعأني فلًّ غرز تصبُّري ... كثير التَّجنِّي دأبه الجور والسُّخط
يزيد جوًى مسكينه كلَّما بدا ... لناظره من درِّ مبسمه سمط
/١١ ب/ هو البدر في مرط الملاحة طالع ... فواها له بدرًا مطالعه المرط
يبلبل بالي كلَّما ماس معجبًا ... محيَّاه والصُّدع المبلبل والقرط
يضمنُّ ولم يسمح بظلم كأنَّه ... لراشفه في لذة الطَّعن إسفنط
1 / 73
أرقُّ له بالرِّقِّ طوعًا فليته ... يرقُّ لصبٍّ لم يرم سلوةً قطُّ
أكلُّ مليح قد حوى الحسن هكذا ... يجور فلا عدل لديه ولا قسط
حرمت المنى من عطفه وحنوِّه ... فوا حربا إذ ليس لي فيهما قسط
ترى حسنه أعطاه بألظلم قطَّه ... فأصبح فعًّالا لما ضمن القطُّ
وحسبك منه كلما جار واعتدى ... يحبُّ ولم يبخس له من هوى قطُّ
إذأ هزَّ خطِّي القوام تثنِّيًا ... فلا عجب والله أن ينجح الخطَّ
وله فيما يكتب على سرج: [من الطويل]
علوت مطا الجرد العتاق فلم يكن ... لأربابها عنِّي غنًي آخر الدَّهر
إذا ما علاني بهمة وأقلَّني ... جوادًا فإنِّي حزت فخرًا على فخر
وله يمدح: [من الخفيف]
أريحيٌّ من أل أيُّوب بغضي ... كرمًا عن ذوي الذَّنوب العظام
أذعن النَّصر والفلاح بفتحتي ... لمليك طلق المحيَّا همام
/١٢ أ/ وقال يمدح: من [الخفيف]
أيُّها الماجد الجواد صلاح الدِّين نجل الأكابر الكرماء
إن طرا المنع عن لقاك فإنِّي ... كلَّ يوم مجدَّد الإطراء
أوعدتني على خلائقك الغرِّ ... عوادي دهر كثير العداء
قثنائي على خلائقك الغرِّ خليق بصدق دعوى الصَّفاء
ويد العوق إن لوت وجه غشياني فلم تلو عنك وجه ولائي
وله: [من الوافر]
أقاموه ليرقص في نديٍّ ... فصار لحبِّه في القلب وقص
غزال كلَّمة يزداد حسنا ... بدا في صبر من يهواه نقص
1 / 74
[٣]
إبراهيم بن نصر بن عسكر بن نصر بن عسكر بن نصر بن عسكر، أبو إسحاق الخطيب، قاضي السلاَّمية.
وهي قرية مشهورة من قرى الموصل شرقيها وهي عنها بخمسة فراسخ. وكان أبو إسحاق يتولّى بها.
/١٢ ب/ ولد بالسندية، وتفقه ببغداد وسمع بها الحديث من الوزير عون الدين أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة. وأصعد إلى الموصل وسمع بها القاضي تاج الإسلام أبا عبد الله الحسين بن نصر بن خميس الخميسي الموصلي وغيره.
وكان خرًا دينًا فقيهًا شافعي المذهب. تولّى قضاء السَّلاَّمية وخطابتها. وتوفي يوم الخميس ثالث ربيع الآخر سنة عشر وستمائة.
أنشدني الصاحب شرف الدين أبو البركات المستوفي –﵀ قال: أنشدني أبو إسحاق لنفسه: [من السريع]
يا طيف من أهوى على نأيه ... كيف تهدَّيت إلى مضجعي
ظللت لا تبعث طيف اللِّوى ... إلاَّ لخدع المقل الهجَّع
ولست بالنَّائم لكنَّني ... غرقت في الفكر فلا تخدع
يا حسن التَّمويه في ناظري ... ويا شهيَّ الزُّور في مسمعي
بيِّن لمولاك إذا جئته ... لعلَّه يرتاح للموجع
ما لاح ملثومك من زفرتي ... وبلَّ مصمومك من أدمعي
وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل]
1 / 75
/١٣ أ/ إذا أنأ أحببت الَّذي هو مبغضي ... وصافيته إنِّي إذًا للئيم
وإن أنأ لم أعرض كما هو معرض ... فما أنا إن عدَّ الكرام كريم
إذا خان من أهوى فكيف أفي له ... وإن حال عن عهدي فكيف أقيم
وأكبر نفسي أن تذلِّ على الهوى ... وتغدو على ما لا تنال تحوم
وأنشدني، قال: أنشدني القاضي لنفسه: [في السريع]
لا تنسبوني يا ثقاتي إلى ... غدر فليس الغدر من شيمتي
أقسمت بالذَّاهب من عيشنا ... وبالمسرَّات الَّتي ولَّت
أنِّي على عهدكم لم أحل ... وعقدة الميثاق ما حلَّت
وأنشدني يوسف بن صنو بن علىّ الإربليُّ، قال: أنشدني أبو إسحاق لنفسه في ذمّ الصوفيه: [من المتقارب]
ألا قل لمكيِّ مقال النَّصوح ... وحقُّ النَّصيحة أن تستمع
متى سمع النَّاس في دينهم ... بأنَّ الغنا سنَّة تتَّبع
وأن يأكل المرء أكل البعير ... ويرقص في الجمع حتَّى يقع
فلو كان طاوي الحشا جائعًا ... لما دار من طرب واستمع
/١٣ ب/ وقالوا: سكرنا بحبِّ الإله ... وما أسكر القومً إلإَّ القصع
كذاك الحمير إذا أخبت ... ينقِّزها ريُّها والشِّبع
وقال أيضًا فيهم: [من المنسرح]
شرُّ الورى يا أخي وأحمقهم ... تراه إن كنت عاقلًا فطنا
من يدَّعي الزُّهد والصَّلاح وقد ... خالف في أمر دينه السُّننا
كلُّ عتلٍّ كأنَّه وعل ... قد عظمت بطنه وقد سمنا
خال من العلم شيخ طائفة ... قد صيَّروه من جهلهم وثنا
دينهم الرَّقص والغناء لقد ... طغوا بهذا وفارقوا ....
ما جعل الله ديننا لعبًا ... أكلًا ورقصًا وصيحة وغنا
1 / 76
وقال أيضًا: [من الطويل]
أقول له صلني فيصرف وجهه ... كأنِّي أدعوه لفعل محرَّم
فإن كان خوف الإثم يكره وصلتي ... فمن أعظم الآثام قتلًه مسلم
وأنشدني الصاحب أبو البركات المستوفي –﵀ قال: أنشدني الخطيب أبو إسحاق إبراهيم في غلام عليه قباء أحمد: [من المنسرح]
/١٤ أ/ يخطر في يلمق كوجنته ... أحمر قان من خالص السَّرق
كأنَّه في أحمراره قمر ... قرفل في حلَّة من الشَّفق
قال القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن نصر بن عسكر العراقي –قاضي السلامية من أرض الموصل- في قتل الحسين بن علي- ﵁: [من السريع]
يا يوم عاشوراء أذكرتني ... مصارع الأشراف من هاشم
أبكي ولا لوم على من بكى ... وإنَّما اللَّوم على اللاَّئم
ما من بكى فيك أشدَّ البكا ... وناح بالعاصى ولا الآثم
رزية ما قام في مثلها ... نائحة تندب في مأتم
آل رسول الله خير الورى ... وصفوة الله على العالم
مثل مصابيح الدُّجى عفِّرت ... وجوههم في الرَّهج القاتم
رؤوسهم تحمل فوق القنا ... مظلومة شلَّت يد الظَّالم
ساروا بها يا قبحها فعلة ... مثل مسير الظَّافر الغانم
كأنَّما الزَّهراء ليست لهم ... أمّا ولا الجدُّ أبو القاسم
قل لابن مرجانة لابدَّ أن ... تعضَّ كفَّ الحاسر النَّادم
/١٤ ب/ محمَّد خير بني آدم ... خصمك يا شرَّ بني آدم
يطلب منك الثَّأر في موقف ... ما فيه للظالم من عاصم
وفيه يقتضُّ من المعتدي ... بالنَّار لا بالسَّيف والصَّارم
وقوله في كبر السن: [من الخفيف]
1 / 77
أيُّ عيش يطيب والعمر قد أربى ... على خمسة وسبعين عاما
كيف يلتذُّ في الحياة بعيش ... يتمنَّى لاقيه فيه الحماما
إنَّما العيش بالشَّباب لو اشتدَّ على ... طيبه الزَّمان دواما
نوَّرت فودي السٌّنون فيا ليت ضياء منحن كان ظلاما
ما أرى صحَّتي على كبر السِّنِّ ... أفادت إلاَّ ضنىً وسقاما
فكثيرًا أقول: آه إذا رمت نهوضًا لحاجة أو قياما
وإذا ما مشيت [كنت] كأنِّي ... بتُّ أحسو مع الغواة المداما
صحبتني أولاد حام زمانًا ... أحصنوا صحبتي وماتوا كراما
ليتهم عمِّروا وكانوا على الدَّهر لأولاد عمِّهم خدَّاما
أكرم الشَّيب إنَّما تصحب الشَّيب إذا ما رأيته آثاما
/١٥ أ/ ثمَّ من بعده تصير إلى القبر فياليته أطال المقاما
وقال أيضًا: من السريع]
من يتمنَّ العمر فليتَّخذ ... صبرًا على فقد أحبَّائه
وله: [من الوافر]
إذا ما جاوز السَّبعين عمري ... بخمس ثمَّ أردفها بخمس
يئست من البقاء وكيف أبقى ... وقد نعيت إلى بذاك نفسي
وقد أيقنت أنِّي عن قريب ... بلا شكًّ أكون رهين رمس
وكيف يلذُّ طعم العيش شيخ ... تصبِّحه المنيَّة أو تمسِّي
فيا ربَّاه جد بالعفو عنِّي ... فقد فرَّطت في يومي وأمسي
1 / 78